للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

طلاٍّ، وهو ما يُحَسُّ به من الأنداء وقت الأسحار. وإن اشتد البرد على الطلّ بعد تكاثفه بحيث يجمده نزل صقيعاً، وهو ما تشاهده على وجه الأرض وقت الغدوات كالصِّفاح اللامعة. وما تصاعد منها إلى الطبقة الباردة تكاثف بالبرد سحاباً منضغطَ الأجزاء، وهو ما تشاهده في الجو كالجبال السائرة، فإن غلب عليه البَرد بحيث جمَّده قبل انعقاده، صار ملحاً متحللاً أبيض لمخالطة الهواء لأجزائه، وقلّ ما يكون في غير الشتاء، وإن انعقد ما نزل هابطاً لثقله من سعة محيط إلى ضيق مركز على خطوطٍ مستقيمة فتجتمع أجزاوه وتتشكل بقطرات المطر فينزل مطراً، وعلى حسب التفاوت في القرب والبعد والاجتماع يكون كثير القطرات، وأكثر ما يكون في الربيع لبعد المسافة التي ينعقد السحاب فيها، وان قوي البرد عليه بعد تشكّله بقطرات المطر جمد ونزل بَرَداً، وربما استولى على قطرات المطر من الجوّ حر أوجب حصر البرودة الشديدة في باطنها، فانعقد منه برد، ومثل هذا إنما يكون في أيام الربيع، ولهذا قد تشاهد البرد في الربيع وباطن حبّاتِه أشدّ جموداً من ظاهرها؛ وربما كانت مادة هذه الأشياء أيضاً الهواء، إلاّ أن تكاثف البخار واستيلاء البرد عليه لتلطفه بالحرّ يكون أسرع وأشدّ، ولهذا كان تكاثف بخار القدر وانعقاده بإضافة البرودة أسرع من بخار الحمام، لتفاوتهما في التلطف بالحرارة، وعلى حسب تفاوت المواضع في صعود الأبخرة منها وشدّة البرد وضعفه في جوّها يكون التفاوت في زيادة هذه الأشياء وقلّتها، حتى أن ما كَثُرَت أبخرته من البقاع كالبحار كان أكثر مطراً، وما قلت أبخرته كان أقلّ، وما كان برد جوه أشدّ، كان ثلجه وبرده وصقيعه أكبر، كقلل الجبال والمواضع المرتفعة.

الثلج:

٨٧٥ - شاعر (١) :

أقْبَلَ الثلجُ في غلائلِ نور ... يتهادى كاللؤلؤِ المنثورِ

فكأنّ السماءَ زُفَّتْ إلى الأر ... ضِ (٢) وكان النثارُ من كافور


(١) نسبهما للصاحب في من غاب عنه المطرب: ٤٧ ونهاية الأرب ١: ٨٧.
(٢) من غاب ونهاية الأرب: صاهرت الأرض.

<<  <   >  >>