للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

٨٨٤ - قال: ومما يناسب حكاية هذا الوقاد، وإن لم يكن من هذا الباب، ما يحس أن دويدة الوقاد - واسمه داود بن سلم - كان يحبّ غلاماً هاشمياً من ولد إبراهيم الإمام، وكان يلقّب بالعابد، وكان يكلّم " دويدة " سرّاً وينهاه أن يُعْلِمَ بخبره ومحبته له أحداً، فكان كذلك، ثم غلب عليه العشق فأخبر بعض من كان يأنس به، فأعاد ذلك الخبر على الغلام، فهجره ومنعه من قربه، وكان الغلام يبكّهر إلى الجمعة فيصلى ويقرأ إلى أن تصلّى الجمعة، ثم كذلك إلى العصر وينصرف، فسمي العابد لذلك، قال الطوسي: فإني لفي الجامع يوم الجمعة، والغلام إلى جانبي، ودويدة في بعض الصفوف يرى الغلام، والغلام لا يعلم، وهو في صلاته، إذ كتب دويدة رقعة ورمى بها في حِجْرِ الغلام فأخطأته، ووقعت بيني وبينه، وإذا فيها:

يا مفرداً في كمالِهِ واحدْ ... وسيداً ليس فوقه سائدْ

وأكرمَ الناسِ في الورى والدْ ... له طريفُ العلاءِ والتالد

هبني جَحَدْتُ الهوى مع الجاحد ... كم لي على ما جحدتُ من شاهد

قلبٌ حزينٌ ومقلتا ساهد ... وَسُقْمُ جسمٍ على الضنى زائد

رعيُ نجومٍ ومدنفٌ واجدْ ... ونومُ عينٍ وطرفه شارد

يا مكثراً في صلاته جاهدْ ... رغَّبني فيك قلبك الزاهد

فاعفُ عن العبد أيها العابد ... فلستُ فيما كرهتَ بالعائد

يا نائماً عن بليّتي هاجد ... أسهرني منك طَرْفُكَ الراقد قال: فقال لي الغلام: ما هذه الرقعة؟ فكتمته حياءً منه، فأبى إلا أن يقرأها، فدفعتها إليه فقرأها وخجل، فقال: خطّ دويدة وشعره، وقد بلغ منّا ما يؤذينا وقد شهَّرنا في الناس، قال: فوجدت مساغاً فقلت: لو كلَّمته وأدنيته اشتريت بذلك لسانه، ومنعته من قول الشعر الذي يُحْفَظُ ويسير، قال: أفعلُ ما أشرت به، ثم انصرفا، ولقيتُ دويدة فعرَّفته، فشكر لي ذلك، وعاد الغلام إلى ما كان عليه.

٨٨٥ - خبر وقاد آخر:

كان ببغداد رجل وقاد يعرف بشعر الزنج (١) ، وكنيته أبو الجعد، وكان قد قام مع


(١) ترجمة شعر الزنج في الفوات ١: ٢٨٠.

<<  <   >  >>