وقال ابن عباس رضي الله عنهما لامرأة: خطّأ الله نوءها، يريد خطّأها للغيث؛ وابن عباس في قوله عزّ وجلّ:(وتجعلون رزقكم انكم تكذبون) ، إن تأويله الأنواء، وكان علي نضَّر الله وجهه يقرأ (وتجعلون شكركم) . والحظر والإباحة راجعٌ إلى ما بيّناه من المذهبين في قول من يقول إنّ المطر بطلوع الكوكب أو كان عند طلوعه.
٩٠٨ - وأما معنى قولهم ناء الكوكب: العرب تقول: ناء الكوكب ينوء نوءاً وتنواءً. ونوؤه عندهم أوّل سقوطٍ يدركه في الأفق بالغداة، قبل امّحاق الكوكب بضوء الصبح؛ واشتقاق هذا اللفظ في اللّغة من السقوط وقيل النوء: النهوض والاستقلال، وإنما سمّي سقوط الكوكب نوءاً لطلوع الرقيب لا لسقوط الساقط. وقيل لو كان كذلك لم يكن على العرب مؤونة في أن يجعلوا النائي هو الطالع، وأن يتركوا الساقط، فيقولوا: مطرنا بنوء البلدة، وإذا كان المطر مع سقوط الذراع، لأنه حينئذ يكون مع طلوع البلدة، وهم لا يقولون هذا ولا يعتدّون بنوء البلدة، وكذلك نوء الثريا، كأنهم يضيفونه إلى رقيته للآفل. ولبس بمدفوع أن النوء في كلام العرب النهوض، ولكنه نهوض الذي كأنه يميله شيء ويجذبه إلى أسفل، ومنه قوله تعالى:(ما إنّ مَفَاتِحَهُ لتنوءُ بالعُصْبَةِ أولي القوَّةِ) وزعم الفراء أنّ النوءَ السقوط والميلان، وأن أبا ثروان أنشده في صفة رام ٍنزع في قوس:
حتى إذا ما التأمتْ مفاصِلُهْ ... وناءَ في شقِّ الشمالِ كاهِلُهْ يريد أنه لما نزع مال عليها، وقوله:" التأمت مفاصله " أي لزم بعضها بعضاً لشدّة النزع، فالنوء على هذا التفسير من الأضداد، يكون بمعنى النهوض والسقوط.
قال أبو حنيفة: ولو لم يكن النوءُ إلا للنهوض لكان لقولهم ناء النجم - وهم يريدون سقط - مذهب على طريق التفاؤل، كأنهم كانوا كرهوا أن يقولوا سقط، فقالوا ناء بالضدّ. كما قالوا سليم للديغ، ومفازة للفلاة المتلفة. فأما من ذهب إلى أنَّ الكوكب ينوء ثم يسقط، فإذا سقط فقد انقضى نوؤه ودخل نوء الكوكب الذي بعده، فإنَّ تأويل النوء في قول هؤلاء هو التأويل المشهور: إن الكوكب إذا سقط النجم الذي بين يديه أظلَّ هو على السقوط فكان أشبه شيء حالاً بحال الناهض، ولا نهوض به، حتى يسقط، لأن الفلك يجتره إلى الغؤور، فكأنه متحاملٌ تعبٌ قد غلبه.