قالوا في تعليل الرياح: إنها لا تأتي إلا للخير لأنها جمع، الجنوب والشمال والصبا لأنها لواقح، والعذاب ريح واحدة وهي الدبور لأنها لا تلقح. وقرئت بشراً بالباء، فمن قرأها نشراً بالنون فمعناه: حياة طلقة كحياتهم بالنشور، ومن قرأها بشراً بالباء ففيه وجهان: أحدهما أنها بشرى بالمطر، والثاني لأنّ الناس يستبشرون بها. وقوله:(بين يدي رحمته) يعني المطر، لأنه رحمة من الله عزّ وجل لخلقه. وأما قوله عزّ وجلّ:(وأرسلنا الرياح لواقح) ففيه قولان: أحدهما لواقح السحاب حتى يمطر، والآخر: لواقح الشجر حتى تثمر. وقال في الريح:(وفي عادٍ إذْ أرْسَلْنَا عليهمُ الريحَ العَقيم) ، وقال: عزّ وجلّ في الأمطار: (وأمطرنا عليهمْ حجارةً من سِجِّيل) ، وقال:(وأمطرنا عليهمْ مطراً فساءَ مَطَرُ المُنْذَرين) ، وجميعُ ما في الكتاب العزيز جاء على هذا الأسلوب، وهو معنى دعائه صلى الله عليه وسلم " اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً ".
٩١٢ - وقال علماء اللغة: إذا وقعت الريح بين الريحين فهي النكباء، وإذا وقعت بين الصبا والجنوب فهي الجربياء، فإذا هبّت من جهات مختلفة فهي المتناوحة، فإذا جاءت بنفسٍ ضعيف ورَوْحٍ فهي النسيم، فإذا كانت شديدة فهي العاصف، فإذا اشتدَّت حتى تقلع الخيام فهي الهّجوم، فإذا حرَّكت الأشجار إلى أن تقلعها فهي الزعزعان والزعزع، فإذا جاءت بالحصباء فهي الحاصب، فإذا هبّت من الأرض كالعمود نحو السماء فهي الإعصار، فإذا هبّت بالغبرة من فهي الهبوة، فإذا كانت باردة فهي الحَرْجَفْ والصّرْصَروالعَرِيّة. فإذا كان مع بردها ندى فهي البليل، فإذا كانت حارّة فهي الحرور والسّموم، بالفتح فإذا كانت تخرق البيوت فهي الخريق، فإذا كانت لا تلقح شجراً ولا تحملُ مطراً فهي العقيم.
٩١٣ - وجمع الريح أرواح، وهو مما يغلط الناس فيه فيجمعونه على أرياح قياساً على قولهم رياح وهو خطأ فاحش، قال ذو الرمة:
إذا هبّتِ الأرواحُ من نحو جانب ... به أهل ميّ زاد وجدي هبوبها وقالت ميسون بنتُ بحدل، لما نُقِلَتْ إلى معاوية بالشام،. تحنُّ إلى البادية من أبيات:
لبيتٌ نخفقُ الأرواحُ فيه ... أَحبُّ إليَّ من قَصْرٍ مُنيفِ والعلّة في ذاك أن أصل ريح روح، لاشتقاقها من الروح، لأنها تعيش بها.