للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدفيئة كالجبال والنجود، والسبب الآخر علاقتهم وهوى نفوسهم، فإن من كان له منهم محبوب نأى عنه أستطاب النسيم الهاب بينه وبينه كائناً ما كان من الأهوية فإن كان صادراً عنه حمله التحية والسلام، وإن كان وارداً عليه استشفى به من الآلام، كقول ذي الرمة (١) :

إذا هبَّتِ الأَرواحُ من نحو جانب ... به أهلُ ميّ هاج شوقي هبوبها

هوىً تذرفُ العينانِ منه وإنما ... هوى كلِّ نفسٍ أين حلَّ حبيبها والسبب الثالث: استطابة الهواء من حيث خصوصيته في نفسه، كما يستطيبون الصبا لأنها شتوية كثيرة الأمطار مباركة طيّبة ليّنة البرد قليلة العجاج، ويستطيبون الجنوب لأنها تجيء بالسحاب والمطر وفيه الحياة والخصب وهي دفئة ليّنة الدفء، وهي أدوم الرياح هبوباً، وتكون في الصيف والشتاء معاً.

٩٢٧ - فأما القبول فقد زعم بعضهم أنها كلُّ ريحٍ طيبة ليّنة لا أذى فيها كائنة ما كانت من الرياح، لا أنه اسم لريح بعينها مخصوصة،. وإنما سمّيت قبولاً لأنها طيبة تقبلها النفس وتلتذّ بها؛ قال: وليس ذلك بصحيح، بل القبول اسم يخصُّ الريح الشرقية، وهي الصّبا، سميت قبولاً لأنها تأتي من قبل الكعبة، كما سميت الدّبور دبوراً لأنها تأتي من دبرها.

٩٢٨ - فأما الدبور والرياح النُّكْبُ كلّها فإنهم لا يستطيبون شيئاً منها، ولا تجيء في أشعارهم إلا في معرض الذم لا المدح، وسبب ذلك أنّ الدبور من رياح القيظ، لا تكون إلاّ فيه، وهي مع ذلك مهياف.

٩٢٩ - والنكب (٢) أربع فنكباء الصبا والجنوب مهيافٌ ملواحٌ ميباسٌ للبقل، وهي تجيء بين الريحين، ونكباء الشمال معجاج مصراد لا مطر فيها ولا خير، ونكباء الشمال والدبور ريح قرة وربما كان فيها مطر قليل، ونكباء الدبور والجنوب ريح حارة وهي الهيف، وقد تتفرّع فتكون أكثر من أربع. وإذا ذكرت العرب في أشعارها الريح الشآمية فإنما يريدون بها الشمأل، لأنها تأتي من ناحية الشام، وإذا ذكروا الريح اليمانية فإنما يريدون بها الجنوب، لأنها تأتي من ناحية اليمن، والصبا شرقية لأنها تأتي من مطلع الشمس في الصيف.


(١) ديوانه: ٦٩٤ - ٦٩٥.
(٢) انظر اللسان (نكب) .

<<  <   >  >>