للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإن لم يكن ماء صرفاً بسيطاً، بل كان ممتزجاً من ماء وأرض ونار، ولكن الغالب فيه الماء؛ فهذا الهواء قد يعفن (١) فيستحيل جوهره إلى الرداءة، كما أن ماء البطاح قد يعفن (٢) فيستحيل جوهره إليها، وأكثر (٣) ما يعرض الوباء وعفونة الهواء في أواخر الصيف والخريف. وأما الذي في كيفيّته فان يخرج في الحرّ والبرد إلى كيفية غير محتملة، حتّى يفسد الزرع والنسل، وذلك إما باستحالةٍ مجانسة كمعمعة القيظ إذا فسد، أو استحالة مضادة كزمهرير البرد في الصيف لعَرَضٍ عارض. والهواء إذا تغيّر عرضت منه عوارض في الأبدان: فإنه إذا تعفّن عفَّن الأخلاط، وابتدأ بعض الخلط المخصوص بالقلب، لأنه أقرب منه وصولاً إلى غيره، وإن سَخُنَ شديداً أَرخى المفاصل وحلّل الرطوبات (٤) ، " وزاد في العطش، وحلّل الروح، وأسقط القوى، ومنعَ الهضم، بتحليل الحارِّ الغريزّي المستبطن الذي هو آلة الطبيعة وصفَّر اللون بتحليله الأخلاط المحمرة للّون، وتغليبه المرّة على سائر الأخلاط، وسخنَ القلب سخونة غير غريزيّة، وسيَّل الأخلاط وميَّلها عفنة إلى التجاويف وإلى الأعضاء الضعيفة (٥) ، وليس بصالح الأبدان المحمودة، بل ربما انتفعبه به المستسقون والمفلوجون وأصحاب النَّزْلة الباردة والتشنّج الرطب واللقوة الرطبة. وأما الهواء البارد فإنه يحصر الحارّ الغريزيّ داخلاً، ما لم يفرطْ إفراطاً يتوصّل منه (٦) إلى الباطن، فإن ذلك يميت، والهواء البارد غير المفرط يمنع سيلان المواد ويحبسها، لكنه يُحدث النزلة، ويضعف العصب، ويضرُّ بقصبة الرئة ضرراً شديداً، وإذا لم يفرط شديداً قوَّى الهضم، وقوى الأفعال الباطنة كلّها، وأثار الشهوة، وهو أوفق للأصحّاء من الهواء المفرط الحرّ، ومضارُّهُ هي من جملة الأفعال المتعلّقة بالعصب وبسدِّه المسامَّ. والهواء الرطب صالح موافق لأكثر الأمزجة ويحسّن اللّون ويبقي المسام منفتحةً، إلا أنه رديء العفونة، واليابس بالضد.

٢ - وقال علي بن العباس المتطبّب: الهواء المعتدل هو النقي الصافي اللطيف الذي لا يخلطه شيء من البخارات، وإذا شممته وجدت له رائحة طيّبة لذيذة،


(١) ص: تغير.
(٢) ص: تغير.
(٣) ص: ولكن.
(٤) القانون: المحصور في القلب.
(٥) ص: الصعبة.
(٦) القانون: يتوغل به.

<<  <   >  >>