للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وليس بالحارّ الذي يعرق البدن منه، ولا بالبارد الذي يقشعرّ منه، بل يكون سريع التغيّر إلى البرد إذا غابت الشمس، سريع التغير إلى الحرّ إذا طلعتْ، وما كان من الهواء حاله هذه الحال فإنه يعدِّل المزاج، ويقوي الأبدان، ويصفي الأخلاط والأرواح، ويعين على جودة الهضم، وأما الهواء الخارج من الاعتدال في كيفيّته فيكون أحرّ أو أبرد، وأرطب أو أيبس من المعتدل، وأما في ذات جوهره فمثل الهواء الوبائي.

١٠١٨ - آراء الأطباء في الرياح والأهوية على التفصيل:

١ - الريح التي تهبّ من ناحية القطب الشمالي، وهي ناحية الفرقدين وبنات نعش، باردة تصلِّبُ الأبدان وتقويها، وتُضْعِف الرأس، وهي أصلح الرياح وأدفعها للعفن، غير أنها تهيِّحُ العلل التي تكون في الرئة والحلق والننرلات والزكام، وتعقل البطن وتدرُّ البول.

٢ - والهابَّة من ناحية القطب الجنوبي، وهي ناحية سهيل، تُرْخي الجسد، وتكدِّر الحواس، وتهيج الصداع والرمد، ونوائب الصرع، والحميّات العفنة، غير أنها لا تخشِّنُ الحلق والصدر، وهي أجلب الرياح للأمراض، لا سيّما إذا كثر هبوبها في الصيف وآخر الربيع.

٣ - وأما الريح التي تهبّ من حدِّ المشرق الصيفيّ إلى المشرق الشتوي والتي تهبّ من حدّ المغرب الشتوي إلى المغرب الصيفيّ فمعتدلتان في الحرّ والبرد، إلاّ أن أصحّهما وأصلحهما الهابّة من المشرق، وأردأهما وأغلظهما الهابة من المغرب.

٤ - وأما الهواء فأصلحه الصافي اللطيف الذي ليس فيه بخارات كثيرة، ولا هو راكد مختنق، بل متحرِّك بهبوب الرياح، لذيذ المستنشق، يسرع إلى البرد إذا غابت الشمس عنه، وأشرُّه ما كان بالضدّ مما وصفنا، وما كان لغلظه كأنه يقبضُ على الفؤاد ويُمْسك النَّفَس، وما كان فيه بخارات من مجاورة بخارات وآجام فيها ماء راكد، وكان فيه عفونات وجيف، وكان شديد الحرّ ملتهباً، وكان مختنقاً لا تخترقه الرياح، فإن هذه الأهوية كلّها رديئة. ويكون الهواء مختنقاً في المساكن التي في الجوبات، وحيث يحيط بها جبال شاهقة وآجام، وحيث لا تهبُّ رياح كثيرة.

١٠١٩ - ومذاهب العرب والمنجين في الرياح وفعلها في الأجسام: فقد ذكرنا أن أصول الرياح أربعة الصَّبا والدَّبور والشمأل والجنوب:

<<  <   >  >>