للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(٥٨٠ - ٥٩٥) وهم ينتظرون الإذن بالدخول عليه والمذاكرة بين يديه، ومعهم القاضي والعدول والأطباء والعلماء في كل فن، فخرج عليهم الخادم الموكل بالإذن ومعه درج عليه ورقة مكتوبة فيها: تحضر الأطباء ومقدمو الجوهريين وتعتبر ما في هذا الدرج من الحجارة "؟ ومعنى الدعوة أن الخليفة كان يريد من العلماء العارفين بالأحجار فحص ما احتواه الدرج وتمييز حجر البازهر من بينها، لأنه من بينها، لأنه نافع ضد السموم، ثم إعطاء الخليفة عشرة أحجار منه وتفريق الباقي على أمناء السوق ومشايخ الأرباع لمنفعة الناس. وكان الذي تولى فحص تلك الأحجار هو يوسف التيفاشي نفسه، يقول: " ففعلت ذلك وامتحنت الأحجار بأن أحضرت الأفاعي، وأرسلت على الفواريج بعد إطعامها حكاكتها، وكانت الحجارة نيفاً عن مائتي حجر، فصح بالمحنة (يعني بالامتحان) دون الستين، وتزيف الباقي فكسر وسحق، وفعل بالباقي منها ما أمر " (١) .

وهذه المعرفة إذن لا تقتصر في الحقيقة على الأحجار، بل هي تدل على اتجاه علمي قائم على التجربة؛ سيكون له من بعد أثره البالغ في نفس الابن، ولا ندري هل كانت هذه الحادثة قبل توليه القضاء أو بعده، ولكني أرجح أن تكون قبل ذلك، ولعلها أن تشير إلى أن يوسف التيفاشي طلب العلم في المغرب (بعد طلبه بأفريقية) وانتسب إلى طلبة الحضر (٢) ، وتوثقت صلته بدولة الموحدين، وبالخلفية المنصور منهم على وجه خاص، مكملاً بذلك تلك الصلة التي بدأها عمه محمد وأخوه يحيى، وكفلت لهؤلاء التيفاشي حظوة لدى خلفاء الموحدين؛ فاصبح يوسف جليساً للمنصور - فيما نقدر، يشهد ما يدور في ذلك المجلس من حوار ديني أو فلسفي، وقد أصبحت عن مناظرة جرت بين الفقيه أبي الوليد ابن رشيد والرئيس أبي بكر ابن زهر في المفاضلة بين قرطبة وإشبيلية (٣) .


(١) التيفاشي: أزهار الأفكار في جواهر الأحجار: ١٤٠ - ١٤١.
(٢) يمثل طلبة الحضر عنصراً هاماً في ((مركب)) النظام الموحدي، فهم يتلقون تدريباً رياضياً وتثقيفياً خاصاً، ويشاركون في الجهاد في وحدة خاصة بهم. ومنهم يختار رجال ((الدعوة)) والقضاة ... الخ.
(٣) خلاصة هذه المناظرة التي تبدو في صورة نادرة ان ابن رشد كان يحب بلده قرطبة ويفضلها، وابن زهر يحب إشبيلية لأنها بلده، فلما أمعن ابن زهر في تفضيل بلده قال له ابن رشد: ما أدري ما تقول، غير أنه إذا مات عالم بإشبيلية فأريد بيع كتبه حملت إلى قرطبة حتى تباع فيها، وإن مات مطرب بقرطبة فأريد بيع آلاته حملت إلى إشبيلية (انظر نفح الطيب ١: ١٥٥) .

<<  <   >  >>