للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٥٣ - آخر (١) :

وليلٍ فيه تحسبُ كلَّ نجمٍ ... بدا لك من خَصاصةِ طيلسان وصف الليل بشدّة السواد، وكأنّ النجوم تظهر من خروق طيلسان، وشبّه سواد الليل بالطيلسان لخضرته، وشدة الخضرة راجعة إلى السواد، ومنه قوله تعالى (مُدْهَامتانِ) من شدة الخضرة من الريّ؛ والمدهام: الأسود. ومنه سمّي سواد العراق سواداً لنخله وجنانه وكثرة مائه، وذلك أن الماء الكثير البعيد القعر يظهر أسود، ولذلك شبّه امرؤ القيس الليل بالبحر، ويقال لليل إذا اسود أخضر؛ قال الراجز يخاطب ناقته:

وعارضي الليلَ إذا ما اخضرّا ... ٥٤ - وقال الشَّماخُ (٢) :

وليلٍ كلونِ الساجِ أسودَ مظلمٍ ... قليلِ الوغى داجٍ ولونِ الأَرَنْدَجِ أي قليل الأصوات، والأرندج: الجلود السود التي يقال لها بالفارسية رنده، وجمع الساج سيجان.

٥٥ - ومما يحكى من الاستشهاد على أن الساج الطيلسان أن أبا دلامة كان شاعراً خفيف الروح مقبولاً عند خلفاء بنى العباس، وكان ماجناً منهمكاً على الخمر، فحظر عليه الخليفة شُرْبَها، وأمر الشرطيّ متى وجده سكران أن يخرّق طيلسانه ويُحْبَسَ في بيت الدجاج، فأُخِذَ سكران فحبس، فلما أصبح كتب إلى الرشيد (٣) :

أميرَ المؤمنين فَدَتكَ نفسي ... علامَ حبستني وخرفتَ ساجي

أُقادُ إلى السجونِ بغير ذنب ... كأني بعضُ عُمّالِ الخراج

ولو معهم حُبِسْتُ لهانَ ذاكم ... ولكني حبستُ مع الدجاج

دجاجات يُطيفُ بهنَّ ديك ... تناجى بالصياحِ إذا يناجي فضحك منه الرشيد وأطلقه.


(١) الأنواء لابن قتيبة: ١٨٦.
(٢) الأنواء: ١٨٦ وديوانه: ٧٨.
(٣) انظر الأغاني ١٠: ٢٦٣ - ٢٦٤ ومعاهد التنصيص ٢: ٢٢٠ وجمع الجواهر: ١١٣ وربيع الأبرار الورقة: ٢٣ ب والبصائر ٢: ٦٢٣ وبهامش ص نقل عن البصائر بخط مختلف عن خط الأصل.

<<  <   >  >>