وليلة كأنها نهارُ ... غرَّاءُ لاتعشى بها الأَبصارُ
مشرقةٌ من حسنها الأقطارُ ... لا يمكنُ البدرَ بها استتار
طالتْ لنا ساعاتها القصار ... ولم يكن لفجرها انفجار كانت سواءً هيَ والاسفار ... ١٢٣ - محمد بن أحمد الحسيني المعروف بابن طباطبا:
وتنوفةٍ مَدَّ الضمير قطعتها ... والليلُ فوق إكامها يتربَّعُ
ليلٌ يمدّ دجاه دونَ صباحه ... آمال ذي الحرص الذي لا يقنع
باتت كواكبُهُ تحوطُ بقاءَهُ ... في كلِّ أفقٍ منه نجمٌ يلمع
زُهْرٌ بَعَثْنَ على الصباح طلائعاً ... حول السماء فهن حسرى ظلَّعُ
متيقطاتٌ في المسير كأنها ... باتت تناجى بالذي يُتَوَقَّع
والصبحُ يرقبُ من دجاه غرةً ... متضائلٌ من سجفه يتطلع
متنفساً فيه جناناً واهناً ... في كلِّ لحظة ساعه يتشجع
حتى انزوى الليلُ البهيمُ لضوئه ... وقد استجاب ظلامُهُ يتقشع
وبدت كواكبُهُ حيارى فيه لا ... تدري لِوَشْكِ زيالها ما تصنع
متهادلاتُ النور في آفاقها ... مستعبراتٌ في الدجى تسترجع
وكواكبُ الجوزاء تبسطُ باعها ... لتعانقَ الظلماء وهي تودع
وكأنها في الجو نعشُ أخي بلىً ... يُبْكَى ويوقَفُ تارةً ويشيَّع
وكأنما الشعرى العَبورُ وراءها ... ثكلى لها دمعٌ غزيزٌ يهمع
وبناتُ نعشٍ قد برزن حواسراً ... قُدَّامها أخواتُهُنّ الأربع
عبرى هتكن قناعهن على الدجى ... جزعاً وآلتْ بعدُ لا تتقنع
وكأن أفقاً من تلألؤ نجمه ... عند افتقادِ الليل عينٌ تدمع
والفجرُ في صفو الهواء مورّدٌ ... مثلُ المدامةِ في الزجاج تشعشع
يا ليلُ ما لك لا تغيث كواكباً ... زفراتُهَا وجداً عليك تَقَطَّع
لو أن لي بضياء صبحك طاقةً ... يا ليلُ كنت أردّه لا يسطع
حذراً عليك، ولو قدرتُ بحيلتي ... جَرَّعْتُهُ الغُصَصَ التي تتجرع
يا صبحُ هاك شبيبتي فافتكْ بها ... ودع الدُّجى بسواده يتمتع
افقدتني أُنسي بأنجمها التي ... أصبحتُ من فقدي لها أتوجَّع