للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عشر سنين أو إحدى عشرة سنة، ولعل هجرته إلى مصر إذن كانت في حدود ٥٩٣/ ١١٩٧ إذ ما يزال يصح أن يقال إنه كان صبياً حين هاجر رغم أنه كان قد شارف الرابعة عشرة من عمره.

ولا ندري كم أقام في صحبة شيوخه بمصر، ولكنا نجده ينتقل إلى دمشق ليقرأ بها على أشهر علمائها حينئذ تاج الدين أبي اليمن زيد بن الحسن الكندي (٥٢٠ - ٦١٣/ ١١٢٦ - ١٢١٧) (١) الذي يقول فيه ابن العديم: " ورحل إليه الناس من البلاد لقراءة القرآن واللغة والنحو والحديث والأشعار " (٢) ، ويقول ابن خلكان: " كان أوحد عصره في فنون الآداب وعلو السماع " (٣) . وإذا كان أحمد لم يتميز بصلة قوية تربطه بهذين الأستاذين، شأنه في ذلك شأن مئات الطلبة، الذي أفادوا من علومها، فهذا لا يعني أن موهبته في التحصيل لم تكن متميزة، ولا أن الفوائد التي حصلها منهما كانت قليلة، ولكن يبدو أن صغر السن، وقف به عند حد الأخذ والتلقي، ولم يسمح له أن يتعدى ذلك إلى شيء من صداقة أو علاقة وثيقة. ومهما يكن من شيء فإن أفراده هذين الأستاذين بالذكر، يدل على أنه ربط اسمه بشهرتهما الواسعة، منذ البداية، ليقول إنه كان له حظ الطلب على اثنين من أقدر العلماء في ذلك العصر. وقد طابت له الإقامة بدمشق وأخذ يحدث نفسه بالاستقرار فيها، ولكن حنينه إلى وطنه دفعه إلى مبارحتها (٤) ، فعاد إلى قفصة، وتولى فيها القضاء بعد رجوعه هذا من المشرق (٥) ، وفي هذه الفترة تزوج، ورزق ثلاثة أطفال. ولكن شعوره بالاستقرار في بلده أخذ يضطرب، رغم ذلك كله، ويرتبط ذلك بعاملين، أولهما: أن حنينه إلى دمشق استبد به " وطالبته نفسه بالمقام بدمشق " (٦) ؛ ويبدو أن هذا العامل لم يكن حاسماً إلا حين اتحد به عامل ثان، وهو فقدانه لوظيفة القضاء؛ إذ يقال إنه عزل، وإن عزله إنما كان بسبب العثور على خمر في داره (٧) - وذلك أمر غير مستبعد لمن يقرأ كتبه، ويرى ما فيها من حديث عن الخمر - فقرر مغادرة قفصة،


(١) انظر ترجمته في بغية الطلب ٨: ٩٢ ومرآة الزمان ٨: ٥٧٥ وابن خلكان ٢: ٣٣٩ وانباه الرواة ٢: ١٠ وذيل الروضتين: ٩٥ وفي حاشية الوفيات ذكر لمصادر أخرى.
(٢) بغية الطلب ٨: ٩٣.
(٣) وفيات الأعيان ٢: ٣٤٠.
(٤) بغية الطلب ٢: ١٦٠.
(٥) المصدر السابق نفسه.
(٦) المصدر السابق نفسه.
(٧) المصدر السابق.

<<  <   >  >>