للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخاصيةُ الثانيةُ من خصائص النظام السياسي في الإسلام: الشمولُ:

النظامُ السياسيُّ في الإسلام كما أنه نِظامٌ رَبانيٌّ فهو أيضًا نظامٌ شاملٌ يشملُ الدنيا والآخِرةَ، يشمل جميعَ الأفرادِ والمجتمعاتِ، يلبي حاجاتِ المجتمعاتِ في أي عصرٍ، وفي أي مصرٍ، وفي أي زمانٍ، وفي أي مكانٍ؛ لأن مصدرَه اللهُ -تبارك وتعالى- الخالقُ، وهو القائل في كتابه: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} (الأنعام: من الآية: ٣٨).

فالنظامُ السياسيُّ في الإسلام لم يأتِ قاصرًا على ما يَهُم الحاكم، أو على ما يهم المحكوم؛ بل جاء شاملًا لكل ما يحتاجُه النظامُ من بيانٍ لواجبات الأمير وحقوقِه، وواجبات المأمور وحقوقه، وجاء أيضًا بما يُنظم علاقةَ الدولةِ الإسلاميةِ بغيرِها من الأمم والشعوب، من المسلمين وغير المسلمين، ويدل على هذا الشمول قولُ الحق -تبارك وتعالى-: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} (النحل: من الآية: ٨٩).

قال ابنُ الجوزيِّ -رحمه الله تبارك وتعالى في تفسير هذه الآية-:

لكل شيء من أمور الدِّينِ إما بالنصِّ عليه، أو بالإحالةِ إلى ما يُوجِبُ العلم، مثل: بيانُ رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- أو إجماعُ المسلمين؛ وعن أبي ذر -رضي الله تبارك وتعالى عنه- قال: "لقد تركنا محمدٌ -صلى الله عليه وآله وسلم- وما يُحرِّكُ طائِرٌ جَناحَيْهِ في السماء إلا ذَكَرَ لنا منه عِلْمًا".

وهذا في الحقيقة واضحٌ من خلال التشريعاتِ الربانيةِ التي جاءت من عند الله -تبارك وتعالى- لأنه من المعلومِ أن اللهَ -عز وجل- أكملَ لنبيه الدينَ، وأتم بذلك علينا نعمتَه، ورضي لنا الإسلامَ دينًا، ولم يقبضْ ربُّ العزة والجلال نبيَّه وحبيبَه ومصطفَاهُ -صلوات الله وسلامه عليه- إليه إلا بعد أن بلغ البلاغَ المبينَ، واللهُ -عز وجل- أنْزَلَ عليه في عَرفاتٍ في حَجَّة الوداع قولَه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ} (المائدة: من الآية: ٣).

وهذا يدلُّ بوضوحٍ على أن الإسلامَ لم يدعْ شيئًا يحتاج إليه الفردُ أو الجماعةُ إلا وأتى به، ومن ذلك ما يتعلق بالنظام السياسي

<<  <   >  >>