وأوجب الله -تبارك وتعالى- النزول على حكم النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في كل خلاف، والتسليم المطلق له لما يأتي عنه -صلى الله عليه وآله وسلم- قال تعالى:{فَلَا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}(النساء: ٦٥) فهذه الآية بينت أنه يجب أن ننزل على حكم رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم.
وليس هذا فحسب، بل علينا ألا يكون في صدورنا أدنى حرج من حكم النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وأن من خالف ذلك، فليس من أهل الإيمان، كما قال سبحانه:{فَلَا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ}، وقد أوتي النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- القرآن والحكمة؛ ليعلم للناس أحكام دينهم، ويخبرهم -صلى الله عليه وآله وسلم- بما أوجب الله عليهم، قال تعالى:{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ}(آل عمران: ١٦٤). وقد ذهب جمهور العلماء المحققين إلى أن الحكمة شيء آخر غير القرآن، وهي ما أطلع الله رسول -صلى الله عليه وآله وسلم- عليه من أسرار دينه، وأحكام شريعته، ويعبر عنها العلماء بالسنة.
قال الإمام الشافعي -رحمه الله تبارك وتعالى- في (الرسالة) فذكر الله الكتاب -وهو القرآن- وذكر الحكمة، فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة سنة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وتفسير الحكمة هنا بأنها السنة وجيه؛ لأن الله تعالى عطفها على الكتاب، والعطف يقتضي المغايرة؛ لأنها في معرض المنة من الله علينا بتعليمنا إياها، ولا يمن إلا بما هو حق وصواب، فتكون الحكمة واجبة الاتباع كالقرآن، ولم يوجب ربنا علينا إلا اتباع القرآن، والرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- فتعين أن تكون الحكمة هي: ما صدر عنه -عليه الصلاة والسلام- من أفعال، وأقوال، وتقديرات في معرض التشريع،