للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ربما كانت وليدة الصدفة، توارثها أصحابها خلفًا عن سلف، أو أنها بنت تجربة ناجحة لرجل حاذق ماهر آثر بها نفسه، وجعل سرها مستغلقًا إلا على من يلقاه ويرضى من ورثته أو تلاميذه وحواريه.

ثم إن حَصْرَ أَمَارَاتِ السَّمَاءِ فِي أَمْرٍ وَاحِدٍ عَلَى صُورَةٍ وَاحِدَةٍ مُتَكَرِّرَةٍ فِيهِ اتِّهَامٌ لِقُدْرَةِ اللَّهِ، وفتح باب واسع للتشكك في صدق الرسول؛ إِذْ إِنَّ الْقُدْرَةَ الْإِلَهِيَّةَ لَا حُدودَ لَهَا؛ فَكَيْفَ لَا يَرَاهَا الناس إلا في صورة واحدة تتكرر على الأجيال؟ لهذا كان من تدبير الحكيم العليم القادر أن يكون في يد كل نبي دليل صدقه الذي لا يشاركه فيه غيره، وأن تكون معجزته التي يلقى بها الناس حدثًا فريدًا لم يقع لهم في خاطر، ولم يجل لهم في تفكير، وهذا يجعلنا نقول بأن المعجزات تعددت واختلفت لهذا السبب.

النقطة الثالثة: المعجزة لازمة للرسول:

إن الرسول يجيء إلى الناس محملًا برسالة فريدة بين الرسالات التي يحملها الناس إلى الناس فيما بينهم؛ إنه يحمل رسالة من الله إلى الناس، يدعوهم فيها إلى أمور تتغير بها معالم حياتهم الروحية والعقلية، بل والمادية، فهو يدعوهم -أول ما يدعوهم- إلى ترك ما يعبدون من معبودات باطلة فاسدة، وأن ينخلعوا انخلاعًا كاملًا عما بينهم وبين هذه المعبودات من صلة، وأن يوجهوا وجهوهم خالصة لله وحده لا شريك له، فهو يجيئهم أَوَّلًا بالمعجزة التي تَشْهَدُ لَهُ أَنَّهُ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ؛ فَإِذَا اسْتَقَامَ لَهُ ذَلِكَ، وَعملتِ الْمُعْجِزَةُ عَمَلَهَا فِي النَّاسِ فَآمَنُوا لَهُ وَصَدقُوا بِهِ، دَخَلَ إِلَى نُفُوسِهِمْ وَإِلَى عُقُولِهِمْ وَقُلُوبِهِمْ الشريعة التي شرعها الله لهم، فدعاهم إليها، وأخذهم بها، وأقام وجودهم عليها.

وهذا الأمر العظيم الذي يجيء به الرسول إلى الناس مخبرًا إياهم أنه إنما يبلغهم رسالة من الله تلقاها عنه وأمره بتبليغها إليهم -هذا الأمر- لا يمكن أن يقبله الناس على

<<  <   >  >>