للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومعجزاتها معجزة أخرى هي يده؛ يدخلها في جيبه فتخرج بيضاء من غير سوء، ثم من معجزاته -صلوات الله وسلامه عليه- سوق آيات النقمة والبلاء على فرعون وقومه، كما أشار إلى ذلك ربنا في قوله: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ} (الأعراف: ١٣٣).

وعيسى -عليه السلام- كانت معجزته في يده وفي فمه؛ يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيرًا بإذن الله، وبكلمة من فمه وإشارة من يده يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص.

واختلاف المعجزات في أجيال الناس مما اقتضته دواعي الحكمة التي جاءت المعجزات من أجلها؛ ذلك لأن الناس يختلفون باختلاف أزمنتهم وأمكنتهم، وإذ كانت غاية المعجزة أن يرى الناس فيها صدق الرسول، وقيام الدليل على صحة دعواه؛ فكان لا بد أن تكون هذه المعجزة جارية مع تفكير من تلقاهم وتتحداهم؛ آخذة بعقولهم وقلوبهم فيما يدور في هذه العقول، وما يختلج في تلك القلوب، وبهذا تستولي المعجزة على كيان الناس، وتخرس ألسنتهم.

وهذا، وإن يكن من الممكن أن يتحقق في المعجزة الواحدة تتكرر جيلًَا بعد جيل، فتظل أبدًا متحدية ظاهرة، إلا أن ذلك يذهب بكثير من تأثير المعجزة، وينزل بقدر كبير من قدرها في أعين الناس؛ فلو أن عصا موسى مثلًا كانت هي المعجزة التي يتناولها الرسل -رسولًا بعد رسول- وكانت في كل مرة وفي كل حال تطلع على الناس بتلك المعجزات التي كانت لها عند موسى، أو بمعجزات أخرى غيرها؛ لو أن ذلك كان لما كان لها على الناس ذلك السلطان الذي للمعجزة التي تجيء متفردة بوجودها، والتي تجيء إلى الناس على غير انتظار وعلى خلاف أية صورة يتصورنها، ذلك أن أقل ما يقع للناس من المعجزة الواحدة المتكررة أنها

<<  <   >  >>