للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (العنكبوت: ٥١).

وإن كان الله -عز وجل- قد أيد نبيه وحبيبه ومصطفاه -صلى الله عليه وآله وسلم- بمعجزة أخرى إلا أن القرآن الكريم هو الرحمة والذكرى معًا، هو المعجزة وهو الشرعية ففي الشريعة يجدون الرحمة، وفي الآيات التي نزلت بهذه الشريعة يرون الذكرى والمعجزة لقوم يؤمنون، وكذلك يقول الله -تبارك تعالى- عن القرآن الكريم وموقف قريش منه-: {أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الأَعْجَمِينَ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ} (الشعراء: ١٩٧: ٢٠١).

تلك هي معجزة الرسول -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كما نطق بها القرآن الكريم، ولذلك قال الإمام الباقلاني -رحمه الله تبارك وتعالى-: إن نبوة نبينا محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- بُنِيَتْ على هذه المعجزة القرآن الكريم وإن كان قد أيد -صلى الله عليه وآله وسلم- بعد ذلك بمعجزات كثيرة إلا أن تلك المعجزات قامت في أوقات خاصة وأحوال خاصة وعلى أشخاص خاصة، ونُقِلَ بَعضها نقلًا متواترًا يقع العلم به وجودًا، وبعضها مما نُقِلَ خاصًّا -نُقِل نقلًا خاصًّا- إلا أنه حكي بمشهد من الجمع العظيم الذين شاهدوه؛ فلو كان الأمر على خلاف ما حكي لأنكروه أو لأنكره بعضهم، فحل محل المعنى الأول، وإن لم يتواتر أصل النقل فيه، وبعضها مما نُقل من جهة الآحاد، وكان وقوعه بين يدي الآحاد؛ فأما دلالة القرآن الكريم فهي معجزة أو عن معجزة عامة، عمت الثقلينِ، وبقيت بقاء العصرين، ولزوم الحجة بها في أول وقت ورودها إلى يوم القيامة على حد واحد، هكذا ذكر الإمام الباقلاني -رحمه الله- وأقول تعقيبًا على كلامه: إن المعجزات الأخرى الثابتة للنبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أيضًا تؤيد صدقه سواء ثبتت بالتواتر أو الآحاد إذا صح الخبر بذلك عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فكلاهما -أعني: الخبر المتواتر والآحاد- يفيد العلم والعمل فإذا صح الخبر وجب قبوله ووجب العمل به أيضًا.

<<  <   >  >>