للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويقول ابن خلدون -رحمه الله تبارك وتعالى- مبينًا أن معجزة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- هي أعظم معجزة أتى بها -عليه الصلاة والسلام- يقول: واعلم أن أعظم المعجزات وأشرفها وأوضحها دلالة "القرآن الكريم" المنزل على نبينا محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- فإن الخوارق في الغالب تقع مغايرة للوحي الذي يتلقاه النبي، ويأتي بالمعجزة شاهدة على صدقه، ويريد ابن خلدون بذلك أن يقول إن الرسول من الرسل كان يحمل إلى الناس أمرين؛ شريعة يوحى إليه بها يدعوهم إليها، ومعجزة تشهد له بأنه رسول من عند الله، وأنه صادق فيما يدعو إليه.

ثم يقول ابن خلدون: فالقرآن نفسه هو الوحي المدعى، وهو الخارق المعجز، فشاهده في عينه، ولا يفتقر إلى دليل مغاير له كسائر المعجزات مع الوحي، فهو واضح الدلالة؛ لاتحاد الدليل والمدلول فيه، ومعنى هذا الذي يقوله ابن خلدون: أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- حمل إلى الناس أمرًا واحدًا فقط هو الشريعة، وفي الشريعة نفسها المعجزة التي تشهد له بأنه رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- الصادق فيما يقول عن الله.

ثم يقول ابن خلدون: وهذا معنى قول النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((ما من نبي من الأنبياء إلا وأوتي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيًا أوحي إلي، فأنا أرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة)).

وللنبي -صلى الله عليه وآله وسلم- كما أشرت سابقًا -له- معجزات أخرى حسية كثيرة؛ كانشقاق القمر، ونبع الماء من بين أصابعه، وتكثير الطعام، وهي معجزات عظيمة، ونحن نؤمن بالصحيح الثابت منها، ولكنها معجزات شاهدها الذين عاصروها، وبقي القرآن هو المعجزة الخالدة الأبدية؛ لأن القرآن الكريم آية فريدة بين آيات الرسل جميعًا؛ إذ هي آية باقية دائمة خالدة لا تزول بوفاة من نزلت عليه، كما هو الحال بالنسبة للرسل

<<  <   >  >>