للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهم يبينون أن النزاع بينهم وبين قومهم أنهم يعبدون من دون الله آلهة، وأن الذي يفصل في النزاع هو أن يأتوا بسلطان بين، يؤيد زعمهم، وتأملْ تسمية القرآن الكريم للقرآن بأنه سلطان، ووصفه لهذا السلطان بأنه يجب أن يكون بينًا، وأرسل الله أنبياءه بالمعجزات الملموسة القاطعة، وسمى هذه المعجزات آية وعلامة دالة على صدق هذا النبي، كما قال تعالى: {سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ} (البقرة: ٢١٢)، وكما في قوله تعالى: {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ، وآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا، ومَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا} (الإسراء: ٩٥).

ولقد ذَكَرَتْ آيات القرآن الكريم العديد من الآيات الكونية؛ لتحرك العقول، ولتستلفت الأنظار إلى آيات الله في الكون كله، وأنا سأبسط لك القول في بعض هذه الآيات على النحو التالي؛ حيث إن هناك آيات تحث على النظر في الأرض، كما قال الله -تبارك وتعالى-: {وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ وفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} (الذاريات: ٢٠، ٢١)، ويقول -جل ذكره-: {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (العنكبوت: ٢٠)؛ فهل يتصور متصور أن أمره تعالى إلى عباده: {فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ} هي دعوه لهم أن يفتحوا أعينهم ويغمضوها، أو أن يقلبوا أبصارًا شاردة زائغة، أم أن القرآن بقوله: {انْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ} إنما دعاهم إلى النظرة العلمية الفاحصة المدققة، وتأمل قوله تعالى: {بَدَأَ الْخَلْقَ} مع أنه تعالى يقول: {مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ ولا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ ومَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا} (الكهف: ٥١) فهذه آيات تظهر فيها تكاملية الإسلام، وشمولية منهجه، وأنه الدين الذي يربي أتباعه على أن يأخذوا قسطًا من المادة، وألا يغفلوا نصيبهم من حقوق الروح، وهؤلاء هم الذين يبتغون فيما آتاهم الله الدار الآخرة، ولا ينسون نصيبهم من الدنيا.

<<  <   >  >>