للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السبب الرابع: غضبٌ للسلطان، وهي الحرب التي يخوضها صاحب السلطان ضد المتمردين على حكمه الخارجين على سلطانه.

أما الجهاد في الإسلام، فهو جهاد إنساني لم يشهد المؤرخون أنبل من أغراضه، ولا أسمى من أهدافه، ولا أرفع من مقاصده، فهو يجنح للسلم إن طلب العدو ذلك، وهو رحيم رفيق لا يعتدي ولا يأخذ على حين غرة، ولا يقتل شيخًا مُسِنًّا، ولا امرأة، ولا طفلًا، ولا آمنًا غير باغٍ ولا آثم، وشريعة الإسلام في الجهاد شريعة عادلة غير معتدية كغيرها من الشرائع الإسلامية التي جاءت لتحمي لا لتبدد، ولتعدل لا لتبغي لا لتفرق، ولتنشر السلام والأمن لا لترهب الضعيف الآمن.

ولقد ظل رسول الهدى والرحمة -صلى الله عليه وآله وسلم- في مكة المكرمة ثلاثة عشرة سنة يدعو إلى عقيدة التوحيد بالحسنى، ويصبر على أذى المؤذين واعتداء المعتدين، ولم تمتد يده الشريفة لرد الأذى، أو لدفع العدوان بعدوان مثله، وإنما -صلى الله عليه وآله وسلم- صبر وصابر، وحث المسلمين على الثبات والتحمل والدفع بالحسنى، ورد الإيذاء بالقول الحكيم حتى ضاقت نفوس الصحابة -رضوان الله عليهم- مما عانوا ومما لاقوا من عنت المشركين، ومن مضايقة الضالين، ومن اعتداء المعتدين، فما كان منهم إلا أن تركوا الديار والأهل والأوطان والمال أيضًا، تركوا ملاعب الصبًا ومرتع الشباب، تركوا الأحبة والأصحاب، وهان عليهم المال والممتلكات؛ فهاجروا من مكة إلى الحبشة مرتين فرارًا بدينهم، وإيثارًا لما عند الله من ثواب وأجر، ولقد كانت الآيات في هذه المرحلة تتنزّل على النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وتأمره بالصبر والعفو عن هؤلاء الجاهلين المكذبين، وبيان ذلك في قول الله تعالى مثلًا: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (الأعراف: ١٩٩) وكقوله: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} (فصّلت: ٣٤).

<<  <   >  >>