وقال -جل من قائل- مبينًا شيئًا من صفات عباد الرحمن، وكيف كانوا يواجهون أهل البغي والعدوان، يقول سبحانه:{وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا}(الفرقان: ٦٣).
ونزلت الآيات تطرى في تثبيت جلال الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- وفي الصبر على تحمل واجبات الدعوة، وفي احتمال الأذى في سبيل الله، ولِمَ لا يكون ذلك وقد أمره ربه -سبحانه وتعالى- بذلك في قوله:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}(النحل: ١٢٤).
وقد كانت الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة تنفذ من وراء الحجب، وتدخل إلى النفوس والقلوب؛ فتلين لها القلوب، وتخضع لها النفوس، وتهذب بها الأخلاق، وتسمو بها الأرواح، وتطمئن لها الضمائر، وتنشط الأجسام، وتستنير العقول، وكان كل مَنْ يعرف الإسلام ويقتنع بهذه الدعوة المثلى يذهب إلى قومه، ويبشرهم بجنة عرضها السموات والأرض، إن هم نطقوا بالشهادتين إيمانًا واحتسابًا، وإن هم اطمئنوا بالتوحيد، وإن صدقت قلوبهم رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فيما يدعو إليه؛ ولهذا رأينا أن الناس دخلوا في دين الله أفواجًا، ولكن الشر وأعوانه، والشرك وأتباعه، والباطل وأهله ساءهم ظهور الحق، وساءهم أن يروا الناس مؤمنين موحدين، فأوقعوا الأذى المادي والمعنوي، والعذاب بكل أصنافه وبشتى مراتبه في النفوس الأبية الموحدة، وانتفش الضلال، وازداد المكر، وظن الكفر أن الصولة والجولة له فتعمق في غوايته، وتفنن في مفاسده، وكانت حربًا نكراء على المسلمين المؤمنين؛ إذ أن وجود الإسلام والمسلمين المتمسكين به يرعب الكافرين، ويخيف أعداء الدين، والله -تبارك وتعالى- كما أخبر في كتابه