مع الذين آمنوا، ومع الذين اتقوا، والذين هم محسنون، واتجهت إرادة الله -تبارك وتعالى- لابتلاء المؤمنين ولتمحيصهم، ولإظهار حقيقة تمسكهم بالحق وثباتهم عليه، وتفانيهم في سبيله؛ ففرض الجهاد بعد الهجرة إلى المدينة المنورة.
ولعلي بهذا قد أوضحت أمرًا مهمًا بين حديثي عن الجهاد في سبيل الله، هو أن الصراع قائمٌ بين الحق والباطل، وأن الجهاد في سبيل الله -عز وجل- تطلبته مواقف، ودعت إليه أمور، وهو أمرٌ يختلف تمامًا عن الحروب التي كانت تقوم وتدور رحاها بين الكافرين والجاهلين قبل بعثة النبي الأمين -صلى الله عليه وآله وسلم.
ب- تعريف الجهاد:
عَرّفَ العلماء الجهاد لغة بأنه: المشقة، فيقال: جَهدت جهادًا أي: بلغت المشقة، وجاهد العدو مجاهدة وجهادًا قاتله، وجاهد في سبيل الله كذلك، وفي الحديث:((لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية)) والجهاد محاربة الأعداء، وهو المبالغة واستفراغ ما في الوسع والطاقة من قولٍ أو فعلٍ، والمراد بالنية التي يشير إليها العلماء عند تعريفهم للجهاد، أو قولهم: بأن الجهاد في سبيل الله لا بد أن يكون كذلك، أو ما جاء في الحديث:((ولكن جهاد ونية)) المراد بالنية هنا: إخلاص العمل لله، والمعنى: أنه لم يبق بعد فتح مكة هجرة؛ لأنها قد صارت دار إسلام، وإنما هو الإخلاص في الجهاد وقتال الكفار، وإن بقيت الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام، وأيضًا هجران المعاصي والذنوب والآثام، وما إلى ذلك.
وعلى هذا فالجهاد هو المبالغة واستفراغ الوسع في الحرب واللسان، أو ما أطاق من شيء، وفي حديث الحسن -رضي الله تعالى عنه-: "لا يجهد الرجل ماله ثم يقعد يسأل الناس" قال النضر: قوله: "لا يجهد الرجل ماله" أي: يعطيه ويفرقه جميعًا ها هنا وها