((أن أم الربيع بنت البراء، وهي أم حارثة بن سراقة -رضي الله عن الجميع- أتت النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فقالت: يا نبي الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ألا تحدثني عن حارثة -وكان قُتِلَ يوم بدر أصابه سهم غرب- فإن كان في الجنة صبرت، وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء؟ فقال لها النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: يا أم حارثة، إنها جنان في الجنة، وإن ابنكِ أصاب الفردوس الأعلى)).
وللإمام ابن القيم -رحمه الله- له كلمات جليلة عن الجهاد في سبيل الله ومنزلته يقول فيها: لما كان الجهاد ذروة سنام الإسلام وقبته، ومنازل أهله أعلى المنازل في الجنة، كان لهم الرفعة في الدنيا، فهم الأعلون في الدنيا والآخرة، وكان رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- في الذروة العليا منه، واستولى على أنواعه كلها، فجاهد في الله حق جهاده بالقلب والجَنان والدعوة والبنان والسيف والسنان -صلوات الله وسلامه عليه- وكانت ساعاته موقوفة على الجهاد بقلبه ولسانه ويده؛ ولهذا كان أرفع العالمين ذِكرًا، وأعظمهم عند الله قدرًا، وأمره الله تعالى بالجهاد من حين بعثه، فقال له:{وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا}(الفرقان: ٥١، ٥٢) وهذه صورة مكية أُمِرَ فيها بجهاد الكفار بالحجة والبيان وتبليغ القرآن.
وكذلك جهاد المنافقين، إنما هو بتبليغ الحجة، وإلا فهم تحت قهر الإسلام قال الله -تبارك وتعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}(التوبة: ٧٣) فجهاد المنافقين أصعب من جهاد الكفار، وهو جهاد خواص الأمة وورثة الرسل، والقائمون به أفراد في العالم، والمشاركون فيه والمعاونون عليه، وإن كانوا هم الأقلين عددًا، فهم الأعظمون عند الله قدرًا.