والبلدان التي فتحها، ولقد وجد في إحدى رحلاته الجهادية للدعوة قومًا لا يكادون يفقهون قولًا، وقد وقع عليهم ظلم عظيم، وتخوفوا من قدوم يأجوج ومأجوج عليهم، فعرضوا عليه المال من أجل أن يبني لهم سدًّا؛ فقام بمدافعة الظلم المتوقع، واعتذر عن أخذ الخراج، وشرع في نقلهم من الجهل إلى العلم، والتخلف إلى التقدم، والكسل إلى العمل، والضعف إلى القوة، ومصداق ذلك في قول الله:{قَالَ مَا مَكَّنَنِي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا فَمَا اسْتَطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا}(الكهف: ٩٥: ٩٧).
كان ذو القرنين حريصًا على مصلحة الناس ناصحًا لهم فيما يعود عليهم بالنفع؛ ولهذا طلب منهم المعونة الجسدية بما في ذلك تنشيط لهم، ورفع لمعنوياتهم، ومن نصحه وإخلاصه لهم: أنه بذل ما في الوسع والخدمة أكثر مما كانوا يطلبون، فهم طلبوا منه أن يجعل بينهم وبين القوم المفسدين سدًّا، أما هو فقد وعد بأن يجعل بينهم ردمًا، والردم هو الحاجز الحصين، والحجاب المتين، وهو أكبر من السد وأوثق، فوعدهم بفوق ما يرجون، إن قول الله تعالى:{فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا} فيه مَعْلَمٌ بارز في تضافر الجهود وتوحيد الطاقات والقدرات والقوى؛ لأن الأمة التي تنام ولا تتحرك، ولا تعمل على دفع الذل والمهانة وتسلط أعدائها عليها هذه الأمة تُعد أمة ضائعة، لقد استطاع ذو القرنين أن يفجر طاقات المستضعفين، ووجههم نحو التكامل؛ لتحقيق الخير والغايات المنشودة.
إن المجتمعات البشرية غنية بالطاقات المتعددة في المجالات المتنوعة، ويأتي دور القيادة الربانية في الأمة لتربط بين كل الخيوط والخطوط، والتنسيق بين المواهب والطاقات، وتتجه بها نحو خير الأمة ورفعتها، إن أمتنا الإسلامية مليئة بالمواهب