يأمر الله تعالى الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- بالقتال إلا بعد أن تميز جيشه، وكانت له قاعدته في المدينة، وجماعته المستقلة التي تخرج وتبرز وحدها، رافعة لواءها، معلنة أهدافها، معروفة أوصافها.
هذا هو الجهاد الإسلامي صفٌّ مميزٌ له هدف معلوم، وراية مرفوعة، وجماعة ظاهرة، وإمام قائم، وأرجو من إخواني المستمعين أن يتنبهوا لهذه الكلمات: لا بد في الجهاد من صف مميز له هدف معلوم، وراية مرفوعة، وجماعة ظاهرة، وإمام قائم، وأما المجموعات السرية المختبئة في الجحور التي تخرج على الناس فجأة فتغدر وتقتل، وتضرب على غير هدى فليسوا دعاة إسلام، وليس لفعلهم هذا شبه ولا مثال في كل تاريخ مَنْ يقتدى به من أهل الإسلام؛ ولذلك أنا أحذر الشباب غاية الحذر في الاغتيالات التي تتم بين الحين والآخر، وأدعوهم إلى أن ينظروا في قول النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- لحذيفة بن اليمان لما أرسله في غزوة الخندق ليأتيه بخبر الكفار:((اعرف الخبر، ولا تحدِث حدثًا حتى تأتني)) كيف أن حذيفة أتاهم، والريح تضربهم، والظلام يلفهم، وقد قال لهم أبو سفيان وقد كان قائدهم: إني مرتحل، ثم ركب ناقته ولم يفك وثاقها إلا بعد أن ركبها، وقال حذيفة: لم يكن بيني وبينه شيء، وأردت أن أقتله بسهم، ولكني تذكرت كلام رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((لا تحدِث حدثًا حتى تأتني)) فأمسكت، أرأيت لو قتل حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- أبا سفيان ماذا كان سيكون؟ فكيف يتناسب ذلك إذن مع ما يفعله أفراد من الشباب الأغرار تختمر عندهم فكرة ما بأن فلانًا عدوًا لله -تبارك وتعالى- فيقومون بقتله، وما إلى ذلك دون أن يتأملوا، أو يعرفوا العواقب، أو يقيموا الحجة على أحد، وبالتالي لا بد أن يتميز قبل القتال صف المسلمين من المشركين والكافرين، وأن يكون القتال تحت راية إمام.
أنتقل بعد ذلك في صورة سريعة إلى نقطة أخرى، وهي نقطة (ج) وهي بعنوان:
جـ- دفع افتراءات على الإسلام في تشريع الجهاد:
افترى المستشرقون وأعداء الإسلام عليه في شريعة الجهاد، وزعموا أن الإسلام يحب القتل وسفك الدماء، وما فهموا أن