للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قومه، فهرب إلى المدينة، وحالف بني عبد الأشهل فسماه قومه اليمان؛ لحلفه لليمانية وهم الأنصار، وتزوج اليمان والدة حذيفة فولد له بالمدينة، ولما أشرقت شمس النبوة كان حذيفة والده من المسارعين للدخول في الإسلام، ولقد أحبه النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- حبًّا شديدًا.

وكان النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في الحقيقة بنظرة واحدة إلى أي رجل يعلم صفاته وإمكاناته ومزاياه من أول وهلة، فأحس النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أن حذيفة يملك ذكاء يندر وجوده وسرعة بديهة تجعله يعالج أعتى المواقف والأزمات بيسر وسهولة، وهو في الوقت ذاته يؤتمن على أخطر الأسرار ولا يذيعها، وكانت أكبر مشكلة تواجه المسلمين في المدينة هي وجود المنافقين من اليهود وأشياعهم، وما كانوا يحيكونه للنبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وأصحابه من مكائد ودسائس فأفضى النبي -عليه الصلاة والسلام- لحذيفة بأسماء المنافقين وهو سر لم يطلع عليه أحدًا من أصحابه، حتى كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وهو الملهم، أمير المؤمنين عمر الملهم الذي تحدثت عنه في المحاضرة السابقة الفطن الأريب، يستدل برأي حذيفة وببصيرته في اختيار الرجال ومعرفتهم.

ولقد أوتي حذيفة من الحصافة ما جعله يدرك أن الخير في هذه الحياة واضح لمن يريده وإنما الشر هو الذي يتنكر ويتخفى، ومن ثم يجب على الأريب أن يعنى بدراسة الشر في مآتيه ومظانه، ولذلك كان هو من أعلم الناس بالفتن لسؤاله النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- عنها، فهو الذي قال عن نفسه: ((كان الناس يسألون رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم. قلت: وهل بعد الشر من خير؟ قال: نعم. وفيه دخن، قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر. قلت: فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم. دعاة إلى أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها. قلت: يا رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- صفهم لنا. فقال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا. قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ تلزم جماعة

<<  <   >  >>