للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال أحمد -رحمه الله- وكان كلامه مما قوى عزمي على ما أنا فيه من الامتناع من ذلك الذي يدعونني إليه، فلما اقترب من جيش الخليفة ونزلوا دونه بمرحلة، جاء خادم، وهو يمسح دموعه بطرف ثوبه، ويقول: يعز عليّ يا أبا عبد الله، إن المأمون قد سل سيفًا لم يسله قبل ذلك، وإنه يقسم بقرابته من رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- لئن لم تجبه إلى القول بخلق القرآن ليقتلنك بذلك السيف، قال: فجثا الإمام أحمد على ركبتيه، ورمق بطرفه إلى السماء، وقال: سيدي غرّ حلمُك هذا الفاجر حتى تجرأ على أوليائك بالضرب والقتل.

وبعد قليل جاء منادٍ ينادي بموت المأمون، وكان ذلك في الثلث الأخير من الليل، قال أحمد -رحمه الله-: ففرحنا، ثم جاء الخبر بأن المعتصم قد وُلِّي الخلافة، وقد انضم إليه أحمد بن أبي دؤاد، وأن الأمر شديد، فردونا إلى بغداد في سفينة مع بعض الأسارى، ونالني منهم أذى كثير وكان في رجليه القيود، ومات صاحبه محمد بن نوح في الطريق، وصلى عليه أحمد -رحمه الله تبارك وتعالى- فلما رجع أحمد إلى بغداد دخلها في رمضان، فأودع في السجن نحوًا من ثمانية وعشرين شهرًا، وقيل: نيفًا وثلاثين شهرًا ثم أخرج إلى الضرب بين يدي المعتصم، وقد كان أحمد -وهو في السجن- هو الذي يصلي في أهل السجن والقيود في رجليه، وقد أُحضِر الإمام أحمد عند المعتصم -رحمه الله تبارك وتعالى- وأُحضِر أحمد، وكانت عليه قيود، وقد زيد فيها، وقد ذكر هو ذلك -رحمه الله تعالى- فقال: جاءوني بدابة فحملت عليها، فكدت أن أسقط على وجهي من ثقل القيود، وليس معي أحد يمسكني، فسلّم الله حتى جئنا دار المعتصم، فأدخلت في بيت، وأغلق علي، وليس عندي سراج، فأردت الوضوء فمددت يدي فإذا أنا في أناء فيه ماء وجدته، فتوضأت منه، ثم قمت ولا أعرف القبلة فلما أصبحت، فإذا أنا على القبلة ولله الحمد، ثم دعيت فأدخلت

<<  <   >  >>