للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ، وَحَدَّثَنِي عَنْهُ عُثْمَانُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ مَسْرُوقٍ قَالَ: سُئِلَ الْحَارِثُ بْنُ أَسَدٍ عَنِ الزُّهْدِ، فِي الدُّنْيَا قَالَ: " هُوَ عِنْدِي الْعُزُوفُ عَنِ الدُّنْيَا وَلَذَاذَتِهَا وَشَهَوَاتِهَا فَتَنْصَرِفُ النَّفْسُ وَيَتَعَزَّزُ الْهَمُّ وَانْصِرَافُ النَّفْسِ مَيْلُهَا إِلَى مَا دَعَا اللَّهُ إِلَيْهَا بِنِسْيَانِ مَا وَقَعَ بِهِ مِنْ طِبَاعِهَا، وَاعْتِزَازُ الْهَمِّ الِانْقِطَاعُ إِلَى خِدْمَةِ الْمَوْلَى فَيَضِنُّ بِنَفْسِهِ عَنْ خِدْمَةِ الدُّنْيَا مُسْتَحِيًا مِنَ اللَّهِ أَنْ يَرَاهُ خَادِمًا لِغَيْرِهِ فَانْقَطَعَ إِلَى خِدْمَةِ سَيِّدِهِ وَتَعَزَّزَ بِمُلْكِ رَبِّهِ فَتَرْحَلُ الدُّنْيَا عَنْ قَلْبِهِ وَيَعْلَمُ أَنَّ فِي خِدْمَةِ اللَّهِ شُغْلًا عَنْ خِدْمَةِ غَيْرِهِ فَيُلْبِسُهُ اللَّهُ رِدَاءَ عَمَلِهِ وَيُعْتِقُهُ مِنْ عُبُودِيَّتِهَا وَاعْتَزَّ أَنْ يَكُونَ خَادِمًا لِلدُّنْيَا لِعِزَّةِ الْعَزِيزِ الَّذِي أَعَزَّهُ بِالِاعْتِزَازِ عَنْهَا فَصَارَ غَنِيًّا مِنْ غَيْرِ مَالٍ وَعَزِيزًا مِنْ غَيْرِعَشِيرَةٍ وَدُرَّتْ يَنَابِيعُ الْحِكْمَةِ مِنْ قَلْبِهِ وَنَفَذَتْ بَصِيرَتُهُ وَسُمِعَتْ هِمَّتُهُ وَوَصَلَ بِالْهَمِّ إِلَى مُنْتَهَى أُمْنِيَّتِهِ فَتَرَقَّى وَارْتَفَعَ وَوَصَلَ إِلَى رَوْحِ الْفَرَجِ مِنْ هُمُومٌ الْأَطْمَاعِ وَعَذَابِ ⦗٨٦⦘ الْحِرْصِ، وَقِيلَ لَهُ: كَيْفَ تَفَاوَتُ النَّاسُ فِي الزُّهْدِ؟ قَالَ: عَلَى قَدْرِ صِحَّةِ الْعُقُولِ وَطَهَارَةِ الْقُلُوبِ فَأَفْضَلُهُمْ أَعْقَلُهُمْ وَأَعْقَلُهُمْ أَفْهَمُهُمْ عَنِ اللَّهِ، وَأَفْهَمُهُمْ عَنِ اللَّهِ أَحْسَنُهُمْ قَبُولًا عَنِ اللَّهِ وَأَحْسَنُهُمْ قَبُولًا عَنِ اللَّهِ أَسْرَعُهُمْ إِلَى مَا دَعَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَأَسْرَعُهُمْ إِلَى مَا دَعَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَزْهَدُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَأَزْهَدُهُمْ فِي الدُّنْيَا أَرْغَبُهُمْ فِي الْآخِرَةِ، فَبِهَذَا تَفَاوَتُوا فِي الْعُقُولِ فَكُلُّ زَاهِدٍ زُهْدُهُ عَلَى قَدْرِ مَعْرِفَتِهِ، وَمَعْرِفَتُهُ عَلَى قَدْرِ عَقْلِهِ وَعَقْلُهُ عَلَى قَدْرِ قُوَّةِ إِيمَانِهِ فَمَنِ اسْتَوْلَى عَلَى قَلْبِهِ وَهَمِّهِ عِلْمُ كَشْفِ الْآخِرَةِ وَنَبَّهَهُ التَّصْدِيقُ عَلَى الْقُدُومِ عَلَيْهَا وَتَبَيَّنَ بِقَلْبِهِ عَوَارَ الدُّنْيَا وَدَلَّهُ بَصَائِرُ الْهُدَى عَلَى سُوءِ عَوَاقِبِهَا، وَمَحَبَّةُ اخْتِيَارِ اللَّهِ فِي تَرْكِهَا، وَالْمُوَافَقَةُ لِلَّهِ فِي الْعُزُوفِ عَنْهَا تَرَحَّلَتِ الدُّنْيَا عَنْ قَلْبِ هَذَا الْمُوَفَّقِ، وَسُئِلَ عَنْ عَلَامَةِ الصَّادِقِ، فَقَالَ: أَنْ يَكُونَ بِصَوَابِ الْقَوْلِ نَاطِقًا، لِسَانُهُ مَحْزُونٌ وَنُطْقُهُ بِالْحَقِّ مَوْزُونٌ طَاهِرُ الْقَلْبِ مِنْ كُلِّ دَنَسٍ وَمُصَافِي مَوْلَاهُ فِي كُلِّ نَفْسٍ "

<<  <  ج: ص:  >  >>