أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ، فِي كِتَابِهِ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: قَالَ الْحَارِثُ بْنُ أَسَدٍ: " الْمُنْقَطِعُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ خَلْقِهِ، ظَاهِرُهُ ظَاهِرُ أَهْلِ الدُّنْيَا وَبَاطِنُهُ بَاطِنُ الْمُجِلِّينَ الْهَائِبِينَ لِرَبِّهِمْ لِأَنَّهُ صَرْفَ قَلْبَهُ إِلَى رَبِّهِ فَاشْتَغَلَ بِذِكْرِ رِضَاهُ عَنْ ذِكْرِ رِضَا خَلْقِهِ فَطَابَ فِي الدُّنْيَا عَيْشُهُ وَتَطَهَّرَ مِنْ آثَامِهِ وَأَنْزَلَ الْخَلْقَ بِالْمَنْزِلَةِ الَّتِي أَنْزَلَهُمْ رَبُّهُمْ عَبِيدًا إِذْ لَا يَمْلِكُونَ لَهُ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا فَآثَرَ رِضَاءَ اللَّهِ عَلَى رِضَاهُمْ فَسِخَطَتْ نَفْسُهُ بِطَلَبِ رِضَا اللَّهِ، وَإِنْ سَخَطَ جَمِيعُ خَلْقِ اللَّهِ، يُرْضِيَ اللَّهَ بِسَخَطِ كُلِّ أَحَدٍ وَلَا يُسخِطُ اللَّهَ بِرِضَا أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ فَمِلَاكُ أَمْرِهِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ تَرْكُ الِاشْتِغَالِ وَالتَّثْبِيتُ لِمُرَاقَبَةِ الرَّقِيبِ عَلَيْهِ فَلَا يُعَجِّلُ فَيُسْخِطُهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: أَسْرَعُ الْأَشْيَاءِ عِظَةً لِلْقَلْبِ وَانِكِسَارًا لَهُ ذِكْرُ اطِّلَاعِ اللَّهِ بِالتَّعْظِيمِ لَهُ، وَأَسْرَعُ الْأَشْيَاءِ إِمَاتَةً لِلشَّهَوَاتِ لُزُومُ الْقَلْبِ الْأَحْزَانِ، وَأَكْثَرُ الْأَشْيَاءِ صَرْفًا إِزَالَةُ الِاشْتِغَالِ بِالدُّنْيَا مِنَ الْقُلُوبِ عِنْدَ الْمُعَايَنَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ لَهَا والِاعْتِبَارُ بِهَا وَالنَّظَرُ إِلَى مَا غَابَ مِنَ الْآخِرَةِ وَأَسْرَعُ الْأَشْيَاءِ هَيَجَانًا لِلتَّعْظِيمِ لِلَّهِ مِنَ الْقَلْبِ تَدَبُّرُ الْآيَاتِ وَالدَّلَائِلِ فِي التَّدْبِيرِ الْمُحْكَمِ وَالصَّنْعَةِ الْمُحْكَمَةِ ⦗٨٧⦘ الْمُتْقَنَةِ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَمَا بِثَّ بَيْنَهُمَا مِنْ خَلْقِهِ دَلَائِلُ نَاطِقَةٌ وَشَوَاهِدُ وَاضِحَةٌ أَنَّ الَّذِي دَبَّرَهَا عَظِيمٌ قَدْرُهُ نَافِذَةٌ مَشِيئَتُهُ عَزِيزٌ فِي سُلْطَانِهِ، وَأَشَدُّ الْأَشْيَاءِ لِلْقَلْبِ عَنِ التَّشَاغُلِ بِالدُّنْيَا الْكَمَدُ مِنْ بَعْدِ الْحُزْنِ، وَأَبْعَثُ الْأَشْيَاءِ عَلَى سَخَاءِ النُّفُوسِ بِتَرْكِ الشَّهَوَاتِ الشَّوْقُ إِلَى لِقَاءِ الْعَزِيزِ الْكَبِيرِ، وَأَشَدُّ الْأَشْيَاءِ إِزَالَةً لِلْمُكَابَدَاتِ فِي عُلُوِّ الدَّرَجَاتِ فِي مَنَازِلِ الْعِبَادَاتِ لُزُومُ الْقَلْبِ مَحَبَّةَ الرَّحْمَنِ، وَأَنْعَمُ الْأَشْيَاءِ لِقُلُوبِ الْعَابِدِينَ، وَأَدْوَمُهَا لَهَا سُرُورًا الشَّوْقُ إِلَى قُرْبِ اللَّهِ وَاسْتِمَاعُ كَلَامِهِ وَالنَّظَرُ إِلَى وَجْهِهِ، وَأَظْهَرُهَا لِقُلُوبِ الْمُرِيدِينَ التَّوْبَةُ النَّصُوحُ مِنْهُمْ لِلْعَرْضِ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَتِلْكَ طَهَارَةُ الْمُتَّقِينَ وَمِنْ بَعْدِهَا طَهَارَةُ الْمُحِبِّينَ وَهُوَ قَطْعُ الْأَشْغَالِ لِكُلِّ شَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا عَنْ مَحْبُوبِهِمْ فَإِذَا طَهُرَتِ الْقُلُوبُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سِوَى اللَّهِ خَلَا مِنْ ذِكْرِ كُلِّ قَاطَعٍ عَنِ اللَّهِ وَزَالَ عَنْهُ كُلُّ حَاجِبٍ يَحْجُبُ عَنْهُ فَتَمَّ بِاللَّهِ سُرُورُهُ وَصَفَا ذِكْرُهُ فِي قَلْبِهِ وَاسْتَنَارَ لَهُ سَبِيلُ الِاعْتِبَارِ فَكَانَتِ الدُّنْيَا وَأَهْلُهَا عَيْنًا يَنْظُرُ بِهَا إِلَى مَا سَتَرَتْهُ الْحُجُبُ مِنَ الْمَلَكُوتِ فَحِينَئِذٍ دَامَ بِاللَّهِ شُغْلُهُ وَطَالَ إِلَيْهِ حَنِينُهُ وَقَرَّتْ بِاللَّهِ عَيْنُهُ فَالْحُزْنُ وَالْكَمَدُ قَدْ أَشْغَلَا قَلْبَهُ وَالْمَحَبَّةُ وَالشَّوْقُ قَدْ أَشْخَصَا إِلَى اللَّهِ فُؤَادَهُ فَشَوْقُهُ إِلَى طَلَبِ الْقُرْبِ، وَالْحُزْنَ أَنْ يُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ "
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute