سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ عَلِيَّ بْنَ هَارُونَ بْنِ مُحَمَّدٍ السِّمْسَارَ يَقُولُ: سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ، يَقُولُ: " اعْلَمْ يَا أَخِي، أَنَّ الْوُصُولَ إِذَا مَا سَأَلْتَ عَنْهُ مَفَاوِزُ مُهْلُكَةٌ وَمَنَاهِلُ مُتْلِفَةٌ لَا تُسْلَكُ إِلَّا بِدَلِيلٍ، وَلَا تُقْطَعُ إِلَّا بِدَوَامِ رَحِيلٍ وَأَنَا وَاصِفٌ لَكَ مِنْهَا مَفَازَةً وَاحِدَةً فَافْهَمْ مَا أَنْعَتُهُ لَكَ مِنْهَا وَقِفْ عِنْدَمَا أُشِيرُ لَكَ فِيهَا وَاسْتَمِعْ لِمَا أَقُولُ وَافْهَمْ مَا أَصِفُ: اعْلَمْ أَنَّ بَيْنَ يَدَيْكَ مَفَازَةً إِنْ كُنْتَ مِمَّنْ أُرِيدَ بِشَيْءٍ مِنْهَا وَأَسْتَوْدِعَكَ اللَّهَ مِنْ ذَلِكَ وَأَسْأَلُهُ أَنْ يَجْعَلَ عَلَيْكَ وَاقِيَةً بَاقِيَةً فَإِنَّ الْخَطَرَ فِي سُلُوكِهَا عَظِيمٌ وَالْأَمْرَ الْمَشَاهَدَ فِي الْمَمَرِّ بِهَا جَسِيمٌ فَإِنَّ مِنْ أَوَائِلِهَا أَنْ يُوغَلَ بِكَ فِي فَيْحِ بَرْزَخٍ لَا أَمَدَ لَهُ إِيغَالًا وَيُدْخَلَ بِكَ بِالْهُجُومِ فِيهِ إِدْخَالًا وَتُرْسَلَ فِي جُوَيْهِنَتِهِ إِرْسَالًا، ثُمَّ تَتَخَلَّى مِنْكَ لَكَ وَيَتَخَلَّى مِنْكَ لَهُ فَمَنْ أَنْتَ ⦗٢٦٠⦘ حِينَئِذٍ؟ وَمَا يُرَادُ بِكَ؟ وَمَاذَا يُرَادُ مِنْكَ وَأَنْتَ حِينَئِذٍ فِي مَحَلٍّ أَمْنُهُ رَوْعٌ، وَأُنْسُهُ وَحْشَةٌ وَضِيَاؤُهُ ظُلْمَةٌ، وَرَفَاهِيَتُهُ شِدَّةٌ، وَشَهَادَتُهُ غِيبَةٌ، وَحَيَاتُهُ مَيْتَةٌ لَا دَرْكَ فِيهِ لِطَالِبٍ، وَلَا مُهِمَّةَ فِيهِ لِسَارِبٍ وَلَا نَجَاةَ فِيهِ لِهَارِبٍ وَأَوَائِلُ مُلَاقَاتِهِ اصْطِلَامٌ وَفَوَاتِحُ بَدَائِعِهِ احْتِكَامٌ وَعَوَاطِفُ مَمَرِّهِ احْتِرَامٌ، فَإِنْ غَمَرَتْكَ غَوَامِرُهُ انْتَسَفَتْكَ بَوَادِرُهُ وَذَهَبَ بِكَ فِي الِارْتِمَاسُ، وَأَغْرَقَتْكَ بِكَثِيفِ الِانْطِمَاسِ فَذَهَبْتَ سِفَالًا فِي الِانْغِمَاسِ إِلَى غَيْرِ دَرْكِ نِهَايَةٍ وَلَا مُسْتَقَرٍ لِغَايَةٍ فَمَنِ الْمُسْتَنْفِذُ لَكَ مِمَّا هُنَالِكَ؟ وَمَنِ الْمُسْتَخْرِجُ لَكَ مِنْ تِلْكِ الْمَهَالِكِ وَأَنْتَ فِي فَرْطِ الْإِيَاسِ مِنْ كُلِّ فَرَجٍ مُشَوَّهٍ بِكَ فِي إِغْرَاقِ لُجَّةِ اللُّجَجِ؟ فَاحْذَرْ ثُمَّ احْذَرْ فَكَمْ مِنْ مُتَعَرِّضٍ اخْتُطِفَ وَمُتَكَلِفٍّ انْتُسِفَ، وَأَتْلَفَ بِالْغِرَّةِ نَفْسَهُ وَأَوْقَعَ بِالسُّرْعَةِ حَتْفَهُ جَعَلْنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ مِنَ النَّاجِينَ وَلَا حَرَمَنَا وَإِيَّاكَ مَا خَصَّ بِهِ الْعَارِفِينَ، وَاعْلَمْ يَا أَخِي، أَنَّ الَّذِي وَصَفْتُهُ لَكَ مِنْ هَذِهِ الْمَفَاوِزِ وَعَرَّضْتُ بِبَعْضِ نَعْتِهِ إِشَارَةً إِلَى عِلْمٍ لَمْ أَصِفْهُ، وَكَشْفُ الْعِلْمِ بِهَا يُبْعِدُ وَالْكَائِنُ بِهَا يَفْقِدُ فَخُذْ فِي نَعْتِ مَا تَعْرِفُهُ مِنَ الْأَحْوَالِ وَمَا يَبْلُغُهُ النَّعْتُ وَالسُّؤَالُ وَيوجَدُ فِي الْمُقَارِبِينَ وَالْأَشْكَالِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ بِظَفَرِكَ لِظَفَرِكَ وَأَبْعَدُ مِنْ حَظِّكَ لِحَظِّكَ وَاحْذَرْ مِنْ مُصَادَمَاتِ مُلَاقَاةِ الْأَبْطَالِ وَالْهُجُومِ عَلَى حِينِ وَقْتِ النَّزَالِ وَالتَّعَرُّضِ لِأَمَاكِنِ أَهْلِ الْكَمَالِ قَبْلَ أَنْ تُمَاتَ مِنْ حَيَاتِكَ ثُمَّ تِحْيَى مِنْ وَفَاتِكَ وَتُخْلَقَ خَلْقًا جَدِيدًا وَتَكُونَ فَرِيدًا وَحِيدًا، وَكُلُّ مَا وَصَفْتُهُ لَكَ إِشَارَةٌ إِلَى عِلْمِ مَا أُرِيدُهُ "
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute