سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ هَارُونَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ، يَقُولُ وَقَرَأَهُ عَلَيْنَا فِي كِتَابٍ كَتَبَ بِهِ إِلَى بَعْضِ إِخْوَانِهِ: " اعْلَمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْكَ أَنَّ أَقْرَبَ مَا اسْتُدْعِيَّ بِهِ قُلُوبُ الْمُرِيدِينَ وَنُبِّهَ بِهِ قُلُوبُ الْغَافِلِينَ وَزُجِرَتْ عَنْهُ نُفُوسُ الْمُتَخَلِّفِينَ مَا صَدَقَتْهُ مِنَ الْأَقْوَالِ جَمِيعِ مَا اتَّبَعَ بِهِ مِنَ الْأَفْعَالِ، فَهَلْ يَحْسُنُ يَا أَخِي أَنْ يَدْعُوَ دَاعٍ إِلَى الْأَمْرِ لَا يَكُونُ عَلَيْهِ شِعَارُهُ وَلَا تَظْهَرُ مِنْهُ زِينَتُهُ وَآثَارُهُ، وَأَلَّا يَكُونَ قَائِلُهُ عَامِلًا فِيهِ بِالتَّحْقِيقِ، وَكُلِّ فِعْلٍ بِذَلِكَ الْقَوْلِ يَلِيقُ، وَأَفِكَ مَنْ دَعَا إِلَى الزُّهْدِ وَعَلَيْهِ شِعَارُ الرَّاغِبِينَ وَأُمِرَ بِالتَّرْكِ وَكَانَ مِنَ ⦗٢٦١⦘ الْآخِذِينَ وَأُمِرَ بِالْجِدِّ فِي الْعَمَلِ وَكَانَ مِنَ الْمُقَصِّرِينَ وَحُثَّ عَلَى الِاجْتِهَادِ وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ إِلَّا قَلَّ قَبُولُ الْمُسْتَمِعِينَ لِقِيلِهِ وَنَفَرَتْ قُلُوبُهُمْ لِمَا يَرَوْنَ مِنْ فِعْلِهِ وَكَانَ حُجَّةً لِمَنْ جَعَلَ التَّأْوِيلَ سَبَبًا إِلَى اتِّبَاعِ هَوَاهُ وَمُسَهِّلًا لِسَبِيلِ مَنْ آثَرَ آخِرَتَهُ عَلَى دُنْيَاهُ، أَمَا سَمِعْتَ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ وَقَدْ وَصَفَ نَبِيَّهُ شُعَيْبًا وَهُوَ شَيْخُ الْأَنْبِيَاءِ وَعَظِيمٌ مِنْ عُظَمَاءِ الرُّسُلِ وَالْأَوْلِيَاءِ وَهُوَ يَقُولُ {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} [هود: ٨٨]، وَقَوْلُ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ لِمُحَمَّدٍ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ} [سبأ: ٤٧] فَهُوَ لَكُمْ، {إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ} [يونس: ٧٢]، وَأَمَرَ اللَّهُ لَهُ بِالدُّعَاءِ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: ١٢٥]، فَهَذِهِ سِيرَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ وَالْأَوْلِيَاءِ، وَالَّذِي يَجِبُ يَا أَخِي عَلَى مَنْ فَضَّلَهُ اللَّهُ بِالْعِلْمِ بِهِ وَالْمَعْرِفَةِ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِي اسْتِتْمَامِ وَاجِبَاتِ الْأَحْوَالِ وَأَنْ يُصَدِّقَ الْقَوْلَ مِنْهُ الْفِعْلُ بِذَلِكَ أَوَّلًا عِنْدَ اللَّهِ وَيَحْظَى بِهِ مَنِ اتَّبَعَهُ آخِرًا، وَاعْلَمْ يَا أَخِي أَنَّ لِلَّهَ ضَنَائِنَ مِنْ خَلْقِهِ أَوْدَعَ قُلُوبِهِمُ الْمَصُونَ مِنْ سِرِّهِ وَكَشَفَ لَهُمْ عَنْ عَظِيمِ أَثَرِهِمْ بِهِ مِنْ أَمْرِهِ فَهُمْ بِمَا اسْتَوْدَعَهُمْ مِنْ ذَلِكَ حَافِظُونَ وَبِجَلِيلِ قَدْرِ مَا أَمَّنَهُمْ عَلَيْهِ عُلَمَاءُ عَارِفُونَ، قَدْ فَتْحَ لِمَا اخْتَصَّهُمْ بِهِ مِنْ ذَلِكَ أَذْهَانَهُمْ، وَقَرَّبَ مِنْ لَطِيفِ الْفَهْمِ عَنْهُ لِمَا أَرَادَهُ أَفْهَامَهُمْ، وَرَفَعَ إِلَى مَلَكُوتِ عِزِّهِ هُمُومَهُمْ، وَقَرَّبَ مِنَ الْمَحَلِّ الْأَعْلَى بِالْإِدْنَاءِ إِلَى مَكِينِ الْإِيوَاءِ بِحُبِّهِمْ، وَأَفْرَدَ بِخَالِصِ ذِكْرِهِ قُلُوبَهُمْ فَهُمْ فِي أَقْرَبِ أَمَاكِنِ الزُّلْفَى لَدَيْهِ وَفِي أَرْفَعِ مَوَاطِنِ الْمُقْبِلِينَ بِهِ عَلَيْهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ إِذَا نَطَقُوا فَعَنْهُ يَقُولُونَ وَإِذَا سَكَتُوا فَبِوَقَارِ الْعِلْمِ بِهِ يَصْمُتُونَ، وَإِذَا حَكَمُوا فَبِحُكْمِهِ لَهُمْ يَحْكُمُونَ، جَعَلَنَا اللَّهُ يَا أَخِي مِمَّنْ فَضَّلَهُ بِالْعِلْمِ وَمَكَّنَهُ بِالْمَعْرِفَةِ وَخَصَّهُ بِالرِّفْعَةِ وَاسْتَعْمَلَهُ بِأَكْمَلِ الطَّاعَةِ وَجَمَعَ لَهُ خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ "
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute