وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الرَّسُولِ صلّى ⦗٢٦٦⦘ الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ: «اعْبُدِ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ»، فَأَمْرُهُ بِحَالَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا أَقْوَى مِنَ الْأُخْرَى؛ لِأَنِّي كَأَنِّي أَرَى الشَّيْءَ بِقُوَّةِ الْعِلْمِ بِهِ، وَحَقِيقَةُ التَّصْدِيقِ لَهُ أَقْوَى مِنْ أَنْ أَكُونَ أَعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ يَرَانِي، وَإِنْ كَانَ عِلْمِي بِأَنَّهُ يَرَانِي حَقِيقَةُ عِلْمِ مُوجِبَةٌ لِلتَّصْدِيقِ وَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ أَوْلَى وَأَقْوَى وَالْفَضْلُ يَجْمَعُهَا عَلَى تَقْدِيمِ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، قَالَ أَحْمَدُ: وَسَأَلْتُهُ عَنْ عَلَامَةِ الْإِيمَانِ قَالَ: الْإِيمَانُ عَلَامَتُهُ طَاعَةُ مَنْ آمَنْتَ بِهِ، وَالْعَمَلُ بِمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ وَتَرْكِ التَّشَاغُلِ عَنْهُ بِشَيْءٍ يَنْقَضِي عِنْدَهُ حَتَّى أَكُونَ عَلَيْهِ مُقْبِلًا وَلِمُوَافَقَتِهِ مُؤْثِرًا وَلِمَرْضَاتِهِ مُتَحَرِّيًا؛ لِأَنَّ مِنْ صِفَةِ حَقِيقَةِ عَلَامَةِ الْإِيمَانِ أَلَّا أُوثِرَ عَلَيْهِ شَيْئًا دُونَهُ وَلَا أَتَشَاغَلَ عَنْهُ بِسَبَبٍ سِوَاهُ حَتَّى يَكُونَ الْمَالِكَ لِسِرِّي وَالْحَاثَّ لِجَوَارِحِي بِمَا أَمَرَنِي مَنْ آمَنْتُ بِهِ وَلَهُ عَرَفْتُ فَعِنْدَ ذَلِكَ تَقَعُ الطَّاعَةُ لِلَّهِ عَلَى الِاسْتِوَاءِ وَمُخَالَفَةِ كُلِّ الْأَهْوَاءِ وَالْمُجَانَبَةِ لِمَا دَعَتْ إِلَيْهِ الْأَعْدَاءُ وَالْمُتَارَكَةِ لِمَا انْتَسَبَ إِلَى الدُّنْيَا وَالْإِقْبَالِ عَلَى مَنْ هُوَ أَوْلَى وَهَذِهِ بَعْضُ الشَّوَاهِدِ وَالْعَلَامَاتِ فِيمَا سَأَلْتَ عَنْهُ وَصِفَةُ الْكَلِّ يَطُولُ شَرْحُهُ، قَالَ وَسَأَلْتُهُ: مَا الْإِيمَانُ؟ فَقَالَ: هَذَا سُؤَالٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ وَلَا مَعْنَىً يُنْبِئُ عَنْ مَزِيدٍ مِنْ عِلْمٍ وَإِنَّمَا هُوَ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مُجَرَّدًا، وَحَقِيقَتُهُ فِي الْقُلُوبِ مُفْرَدًا وَإِنَّمَا هُوَ مَا وَقَرَ فِي الْقَلْبِ مِنَ الْعِلْمِ بِاللَّهِ وَالتَّصْدِيقِ، وَبِمَا أَخْبَرَ مِنْ أُمُورِهِ فِي سَائِرِ سَمَوَاتِهِ وَأَرْضِهِ مِمَّا ثَبَتَ فِي الْإِيقَانِ وَإِنْ لَمْ أَرَهُ بِالْعِيَانِ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلصِّدْقِ صِدْقٌ وَلِلْإِيقَانِ إِيقَانٌ؟ وَإِنَّمَا الصِّدْقُ فِعْلٌ قَلْبِيٌّ وَالْإِيقَانُ مَا اسْتَقَرَّ مِنَ الْعِلْمِ عِنْدِي فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَ فِعْلِي وَإِنَّمَا أَنَا الْفَاعِلُ؟، أَوْ يَعْلَمَ عِلْمِي وَإِنَّمَا أَنَا الْعَالِمُ؟ وَالسُّؤَالُ فِي الِابْتِدَاءِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ وَلَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ لِلْإِيمَانِ إِيمَانٌ وَلِلتَّصْدِيقِ تَصْدِيقٌ جَازَ أَنْ يُوَالَى ذَلِكَ وَيُكَرَّرَ إِلَى غَايَةٍ تَكْثُرُ فِي الْعَدَدِ وَجَازَ أَنْ يَكُونَ كَمَا عَادَ عَلَيَّ ثَوَابُ إِيمَانِي وَثَوَابُ تَصْدِيقِي أَنْ يَعُودَ عَلَى إِيمَانِ إِيمَانِي ثَوَابٌ وَعَلَى تَصْدِيقِ تَصْدِيقِي جَزَاءٌ، وَلَوْ أَرَدْتُ اسْتِقْصَاءَ الْقَوْلِ فِي وَاجِبِ ذَلِكَ لَاتَّسَعَ بِهِ الْكِتَابُ وَطَالَ بِهِ الْخَطَّابُ وَهَذَا مُخْتَصَرٌ مِنَ الْجَوَابِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute