الْقَاضِي جَائِرًا عَسُوفًا، وَلَا ضَعِيفًا مَهِينًا. وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ شَدِيدًا مِنْ غَيْرِ عُنْفٍ لَيِّنًا مِنْ غَيْرِ ضَعْفٍ؛ لِأَنَّ الْجَبَّارَ يَهَابُهُ الْخَصْمَ فَلَا يُلْحِنُ بِحُجَّتِهِ، وَالضَّعِيفَ يَطْمَعُ فِيهِ الْخَصْمُ فَيُبْسِطُ لِسَانَهُ.
وَعَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِكِتَابِ اللَّهِ فِيمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْسُوخٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ لَمْ تَكُنْ مَنْسُوخَةً.
وَإِذَا تَكَمَّلَتْ شُرُوطُ الْقَضَاءِ فِي رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ يَصْلُحُ لَهُ غَيْرُهُ فَالْقَضَاءُ عَلَيْهِ فَرْضُ عَيْنٍ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِجَابَةُ إذَا دُعِيَ، وَإِنْ امْتَنَعَ أَجْبَرَهُ الْإِمَامُ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ الْإِمَامُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُعَرِّفهُ بِنَفْسِهِ حَتَّى يُوَلِّيَهُ. وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَقِيلَ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْإِجَابَةُ إذَا طَلَبَ، وَلَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ التَّعْرِيفُ بِنَفْسِهِ، وَلَا الطَّلَبُ، وَإِذَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَكِنْ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ الْخِيَانَةَ وَالْمِيلَ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ وُجُوبُهُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِجَابَةُ وَيَمْنَعُ نَفْسَهُ مِمَّا يَخَافُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَاتِ لَا تَسْقُطُ بِالِاسْتِشْعَارِ.
وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ جَمَاعَةٌ يُكَامِلُ فِيهِمْ شُرُوطَ الْقَضَاءِ، فَإِنَّ الْأَوْلَى لِلْإِمَامِ تَقْلِيدُ أَفْضَلِهِمْ، فَإِنْ عَدَلَ عَنْهُ إلَى الْمَفْضُولِ وَقَلَّدَهُ صَحَّ تَقْلِيدُهُ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى كَمَالِ الشُّرُوطِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ، وَأَمَّا إذَا اجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ يَصْلُحُونَ، وَفِيهِمْ طَالِبٌ، وَفِيهِمْ مُمْسِكٌ عَنْ الطَّلَبِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَلِّدَ الْإِمَامُ الْمُمْسِكَ دُونَ الطَّالِبِ؛ لِأَنَّهُ رَاغِبٌ فِي السَّلَامَةِ.
وَرُوِيَ: «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلِّنِي عَلَى الْعَمَلِ الْفُلَانِيِّ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّا لَا نُوَلِّي عَلَى عَمَلِنَا مَنْ أَرَادَهُ» ، فَلَوْ عَدَلَ الْإِمَامُ عَنْ الْمُمْتَنِعِ وَقَلَّدَ الطَّالِبَ صَحَّ تَقْلِيدُهُ بَعْدَ اعْتِبَارِ حَالِ الطَّالِبِ فِي طَلَبِهِ.
وَلِلْقَاضِي شُرُوطٌ مُعْتَبَرَةٌ فِي صِحَّةِ وِلَايَتِهِ وَهِيَ الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالْحُرِّيَّةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute