للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَإِنَّ اللَّهَ يَسْتَخْرِجُ بِهِمْ الْحُقُوقَ وَيَدْفَعُ بِهِمْ الظُّلْمَ» .

وَسَمَّاهُمْ الْبَيِّنَةَ لِوُقُوعِ صِحَّةِ الْبَيَانِ بِقَوْلِهِمْ وَارْتِفَاعِ الْإِشْكَالِ بِشَهَادَتِهِمْ وَذَلِكَ غَايَةُ التَّزْكِيَةِ، وَإِنَّهَا أَصْلٌ فِي كُلِّ فَضِيلَةٍ فَالْإِمَامُ لَا تَثْبُتُ وِلَايَتُهُ، وَلَا تَلْزَمُ طَاعَتُهُ مَا لَمْ يَكُنْ عَدْلًا وَالْقَاضِي لَا تَنْفُذُ أَحْكَامُهُ مَا لَمْ يَكُنْ عَدْلًا وَالْمُفْتِي لَا تَلْزَمُ فَتَاوِيه مَا لَمْ يَكُنْ عَدْلًا، فَالْخَلِيفَةُ وَالسُّلْطَانُ وَالْقَاضِي عَامِلٌ بِقَوْلِهِمْ وَمُعَوِّلٌ عَلَى خَبَرِهِمْ وَبِقَوْلِ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ تُقْتَلُ النُّفُوسُ وَتَحِلُّ الْفُرُوجُ وَيُزَالُ الضَّلَالُ وَتَنْتَقِلُ الْأَمْوَالُ وَتُوجَبُ الْحُدُودُ، وَلَا يَسَعُهُمْ مُخَالَفَتُهُمْ فَيَجِبُ عَلَى الْعَاقِلِ الْمُتَصَدِّي لِهَذِهِ الرُّتْبَةِ أَنْ يَعْمَلَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ مَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الشَّهَادَةِ وَتَحَمُّلِهَا وَآدَابِهَا وَهِيَ أَفْضَلُ حَالَاتِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ، وَأَنْ يَسْتَعِينَ بِاَللَّهِ عَلَى أَدَاءِ حَقِّهَا وَالْقِيَامِ بِهَا وَيَسْتَعِيذُ مِمَّنْ يَبْتَغِيهَا وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِهَا طَلَبًا لِلرِّيَاسَةِ لَهَا بَعْدَ ذِلَّةٍ وَالْإِكْثَارِ بَعْدَ قِلَّةٍ فَلَا يُنَازَعُ إذَا قَالَ، وَلَا يُعَارَضُ بِحَالٍ، أَوْ طَلَبًا لِلتَّشَفِّي مِمَّنْ عَادَاهُ وَالرِّفْعَةِ عَلَى مَنْ سَاوَاهُ وَالتَّكَبُّرِ وَالْمُبَاهَاةِ فَمَنْ كَانَ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ، فَقَدْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنْ اللَّهِ وَلَزِمَهُ مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ تَصَنَّعَ الْعَدَالَةَ لِيَشْهَدَ بَيْنَ يَدَيْ الْحُكَّامِ أَلْجَمَهُ اللَّهُ لِجَامًا مِنْ نَارٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» فَالْوَيْلُ لِمَنْ دَخَلَ تَحْتَ هَذَا الْوَعِيدِ وَلَعَمْرِي لَقَدْ تَحَمَّلَ أَمْرًا شَدِيدًا؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا شَهِدَ فِيمَا لَا يَنْبَغِي بِجَهْلٍ فَهَلَكَ وَأَهْلَكَ، وَإِنْ شَهِدَ بِالزُّورِ فَالْوَيْلُ لَهُ مِنْ الثُّبُورِ.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ كُنْتُ عِنْدَ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ فَشَهِدَ عِنْدَهُ

<<  <   >  >>