أقول إن مؤرخ المقال لا بد وأن يتوقف عند هؤلاء, وبالذات عند عدد من نتاجهم الذي كان يمكن -وببساطة- أن ينشر ضمن صفحات الرأي وأبواب وزوايا المقالات الأدبية والنقدية والاجتماعية ومقالات الخواطر والتأملات ومقالات الفقرات وما إليها مما تنشره صحف اليوم باستثناء لغة العصر وأسلوبه، وحيث نتوقف هنا عند ملامح عدد من "مقدمات المقالة" عند اثنين من هؤلاء:
- عبد الله بن المقفع: أول ما يهمنا من كتاباته أن اهتمامه بعنصر "الفكرة" أو الموضوع كان كبيرا بحيث طغى في أحيان كثيرة على عنصر "الأسلوب" ويلي ذلك اهتمامه بالكتابة "الهادفة" فهي ليست بذات التأثير اللغوي البلاغي فقط، وإنما لها تأثيراتها الاجتماعية والإصلاحية أيضا، كما أن من أبرز خصائص كتابته المتصلة بالكتابة الصحفية عامة، والمقالية خاصة أنه وضع قاعدة هامة تنادي بأن يكون في صدر الكلام ما يدل على غرضه، ويهمنا ذلك من ثلاث زوايا:
أ- أنه يعني وصوله إلى تقسيم الكتابة إلى صدر وجسم أو مقدمة وصلب على نحو ما نفعل الآن.
ب- أنه توصل إلى أهم معالم العنوانات والمقدمات وهي: الاتصال بالنص والقيادة إليه ولفت الأنظار إلى مضمونه ومادته عموما والإعلان عنه.
جـ- أن ذلك يدخل في معرفته بما أسماه البلاغيون ورجال التحرير الصحفي بعد ذلك "براعة الاستهلال" وهي من الخصائص الفنية لأنواع الكتابة أدبية وصحفية.
- عبد الحميد بن يحيى الكاتب: ويهمنا من كتاباته -ومما يتصل بالمقدمات المقالية نفسها- معرفته بأن "لكل مقام مقال" أي: أن يكون نوع ولغة وطول الكلام على قدر مضمونه وأفكاره وأهميته عامة.. ثم حسن تقسيمه لرسالته، والترتيب الدقيق لأفكاره، والاهتمام بالخاتمة أو النهاية إلى جانب المقدمة أو الصدر كما كانت عباراته قصيرة، دقيقة ومتماسكة, كل ذلك إلى جانب ميله إلى تقديم الحجج القوية والبراهين التي تؤدي إلى إقناع القارئ بما يقول, كما كان يبتعد عن اللفظ الغريب، والوحشي أو السوقي، وكلها من خصائص "المقالة" ذات الصلة القوية بالمقالة الصحفية عامة.