وهل تلك التي تتصل بمحرر المقال نفسه، وتعود إلى الكاتب ذاته، أي: إنها عامل خاص هذه المرة، وصحيح أن هذه العوامل أو المؤثرات تتأثر بدورها بتلك السابقة في مجموعها وتسير بحذائها أيضا، ولكنها على الرغم من ذلك يكون لها طابعها الخاص، الذي تنفرد به عن هذه العوامل السابقة، انطلاقا من قاعدتها "الأدبية" تلك التي تؤكد أن كاتب المقال في الأعم والأغلب هو "مطبوع" لا "مصنوع" ليس "مطبوعا" أو "موهوبا" من حيث التحرير واللغة والأسلوب فقط، وإنما تتسع دائرة هذا "الطبع" وتلك "الموهبة" وتمتد خيوطها إلى مجالات أخرى عديدة، كمجال اختيار الأفكار الجديدة والصور والمشاهد والأمور غير العادية أو المتبعة أو القريبة من الأذهان أو المتكررة أو المقلدة، وكذا اختيار الموضوع المناسب للوقت المناسب للقارئ المناسب، بالإضافة إلى "ملكة" التحليل والتفسير والتوقع واستكشاف الأحداث واستقراء تفاصيلها واستكناه وقائعها والنفاذ إلى جوهرها الخفي، ولبها المستور والخروج منها بنتائج وعوامل ومسارات جديدة يكون لها وقع "الكشف" الذي لا يصل إليه غير هذه القلة النادرة، ذلك كله إلى "مواهب" الالتصاق بالمجتمع والإحساس بأدراجه وأحزانه بأكثر مما يحس الآخرون، والنفاذ إلى ما تحت السطح الهادئ أو الراكد، تماما مثل موهبته على النفاذ من بين السطور، والمقدرة على طرح الحلول الواقعية لمشكلاته، واصطناع المواقف الإيجابية والفعالة، التي تنتقل من الصفحات لتؤثر في الجماهير وحركتها واتجاهاتها وحاضرها ومستقبلها, ذلك كله فضلا عن موهبة "وضع" ثقافته ومعاصرته وقراءاته وتجاربه وممارساته وخبرته في خدمة القراء، والمجتمع والإنسانية كلها, وهكذا نجد مواهبه الفريدة والمؤثرة والحاسمة، بدءا من النظرة المدققة والفاحصة التي ترى ما لا يراه غيرها وحتى ترجمة ذلك كله، بكل ما يمتد إليه، وبمختلف أجزائه وأركانه، وظلاله إلى "عمل" مقالي يعكس في النهاية موهبته "التحريرية" وقدرته على كتابة العنوانات والمقدمات والمادة والشواهد والصور والنماذج وغيرها بطريقته الخاصة، التي تختلف عن طرق غيره، بأسلوبه الخاص المميز الذي يعرف به.
خلال هذه "اللحظات" الهامة، السابقة على كتابة المقال، أو خلال جلوسه إلى مكتبه أو في أي مكان آخر, وحيث يحلو للبعض أن يكتب في ناديه الرياضي أو "المقهى" أو الحديقة أو الشرفة تكون هناك مثل هذه المؤثرات العديدة المتصلة