للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- أرأيت، إنه لا توجد أسرة لقد انفرط كل شيء, البنت تحمل سفاحا والأخوة تفرقوا في أركان الأرض ليواجه كل منهم مصيره بلا عون وبلا سند, والأب والأم منبوذان يعيشان وحيدين في دار للمسنين ولم يبق إلا الكلب, أقاموه صنما بديلا يبذلون له الود والحب والحنان والعبادة التي خلت منها الحياة, ويحاولون أن يخلقوا فيه المعنى والحكمة التي سلبوها كل شيء، إن كل ما تشاهدينه في الفندق من تحيات ومجاملات وآداب مائدة وسلوك مهذب ولياقة، كلها تعبيرات فارغة لا تدل على شيء ولا تحتوي على مضمون، إنها مجرد حياة تلهث وراء متع لحظية، ثم موت ثم تراب ثم عدم، ثم لا معنى ولا حكمة وإنما عبث.

ولم يعجب زوجته الكلام وأعطته ظهرها، وقالت كالعادة:

- لا تتعجل في الحكم، ولا تستخرج حكما عاما من لقاء عابر، انظر حولك، إنك في عالم كعرائس الخيال أبهة ونظافة وأناقة وجمالا وعلما وصناعة.

قال في هدوء وقد أعطاها ظهره هو الآخر:

- كل هذا يمكن أن ينهدم في لحظة، حينما تنهدم القيم التي تمسك به.

كل هذا يصبح مثل النقش على الماء.

- قالت في مرارة:

- وهل عندنا في مصر قيم, هل عندنا أخلاق.

- صحيح لقد أصابت عدوى الانحلال الكثيرين في بلادنا, وصحيح عندنا فساد. ولكن ما زال عندنا أولو بقية من أهل الخير يعرفون الله ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقومون الليل ويسبحون النهار، وهؤلاء هم عمد الأرض وأركان الدنيا, يحفظ الله الدنيا من أجلهم وبدونهم لا يعود لها بقاء.

قالت وهي ما زالت تنظر غربا وقد أعطته ظهرها:

- بل أركان الدنيا هنا، ولكنك ترفض أن تراها وأعمدة الحياة حولك ولكنك تنكرها، وناطحات السحاب تنطح السماء وتصنع الأقدار للألوف والعقول الألكترونية تدير المصائر للملايين وما تسميه انحلال الأسرة هو روح الحرية, والمغامرة ولكنك لا تريد أن ترى ولا تريد أن تغير من نفسك شيئا.

قال وهو ما زال يعطيها ظهره وينظر شرقا:

- نسيت أن صانع كل هذا العمار ترك نفسه خرابا، وإنه يوشك أن ينتحر وأن

<<  <   >  >>