والذين قد ننساهم ونحن نتحدث عن المستقبل بالرغم من أن "الغد" لن يولد أبدا إلا من اليوم.
هل للمسئولين عن التربية والتعليم أن يعيدوا "التوازن" إلى طريق التنوير الذي أخذ من مصر جهدا هائلا، وأحلاما ضخمة، وأموالا فلكية، بأمل أن نكسر حاجز الأمية، وننطلق على طريق المعرفة إلى حياة أفضل؟
مشكلات الجامعة هناك.. ومشكلاتها هنا:
حدثني صديق عائد من زيارة لإنجلترا فقال لي إن أزمة الجامعات هناك هي أن إقبال الطلاب عليها ضعيف, ففي جامعة إكسفورد عشرات من الكليات والمعاهد الجامعية, لكن عدد التلاميذ المنتظمين فيها لا يزيد على الإحدى عشر ألف طالب!
إنها عكس "المشكلة" التي تواجهها الجامعات في بلادنا وفي غيرها من البلاد, ولم أذكر لهذا الصديق، خاطرة عبرت ذهني، عبور الظل السريع.
النامية:
عندما زار المؤرخ الإغريقي القديم هيرودوت مصر ورأى أسلوب حياتها ووصفه بقدر طاقته، أراد أن يختصر انطباعاته عنه، فقال الرجل الإغريقي في بساطة: إن كل شيء نصنعه في أثينا يصنع المصريون عكسه.
وقد كان لليونان حضارتها العظيمة، ولمصر القديمة حضارتها الأعظم.
لكن الوراثة في التاريخ، حقيقة واردة.
وقد مر هذا الخاطر سريعا، بذاكرتي، وأنا استمع إلى حديث هذا الصديق، ولا أستغربه، ولا أشعر بأن اشتداد الزحام على أبواب الجامعات عندنا "مشكلة" عاصفة تدعو إلى القلق العاصف, فكل بلاد الدنيا المتقدمة عبرت مثل هذه المرحلة وجربتها، وخرجت منها بتوجيه نظم التعليم إلى حيث يرتبط التلميذ بالحياة، ولا يرتبط بها عن طريق الصكوك الجامعية التي يرفعها في وجه الحياة.
إنني أحلم باليوم القريب الذي ننجح فيه، في أن نحول التيار القوي من التدفق صوب أبواب الكليات، إلى التدفق صوب المعاهد الفنية والعلمية على اختلافها.
وحتى يتحقق هذا الحلم، ولا مفر -فيما أظن- من أن تتغير أشياء كثيرة في سلوكنا العادي, ولا مفر من أن ينجح المسئولون عن التعليم ووسائل الإعلام في "إقناع" رجل الشارع البسيط بأن أعظم حق ينبغي له أن يستخدمه لبناء حياة