لا نزعم بهذه الكلمات أننا كآلهة الإغريق، أو أننا مثل الإله "آمون" نستطيع أن ننسى أننا موجودون على سطح هذا الكوكب الأرضي العجيب.
وإنما نزعم أن ما حدث لنيكسون هو قمة الأمور الداخلية الخاصة بأمريكا، وأنه عندما يجري حدث غير مسبوق في هذا المستوى من القمة فينبغي أن نعرفه جيدا، وأن ندرسه دراسة موضوعية عميقة، وأن نطرح جانبا، الميل إلى المبالغة أو قلة الاهتمام, فاستقالة نيكسون حدث جسيم, وحقائق العصر الذي نعيش فيه، أضخم بكثير، وأعمق بكثير، من أن يخطفها رأي عابر، أو "انفعال" يدق هنا أو يدق هناك.
هذا القلق.. المضيء في عينيه:
في عينيه دائما أرقب "القلق" لأعرف كم فات من عمره، وكم تجدد.
هذا القلق المضيء، هو بشري الحاة في عيني هذا الصديق.
يشرق في نظرته لحظة، تصحح كل أيام الركود التي تأكل عمره.
عرفت هذا الصديق، منذ سنوات الدراسة.
كان في البداية، ثلجي الأعصاب! وكنا نظن أنه فولاذي الإرادة.
وكانت عيناه تخدعان كل من ينظر إليهما, فدائما كانت هاتان العينان تتكلمان بنفس حديث لسانه.
لم يكن هناك تناقض بين لغة عينيه ولغة لسانه.
وأيامها كنت أشعر بأنه سيعيش إلى آخر أيامه وهو يتقن "لعبة" التنسيق الكامل بين تعبيرات وجهه وأصوات فمه.
لكني لقيت هذا الصديق بعد طول غياب، فوجدته قد أصبح إنسانين يسكنان في جسم واحد.
إنسان يومض في لحظات القلق المضيء التي تطل من عينيه فأشعر أنه موجود وأن هذا الإنسان "تعذب" بمتعة الحياة ومرارتها حتى الأعماق.
وإنسان آخر، ينطق من بين الشفتين بنفس الألفاظ المختارة المتقنة التي لم تنكسر تحت وطأة الزمن فأشعر أن أشياء كثيرة ماتت في حياة هذا الصديق.
وما رأيته في عينيه من قلق مضيء هو متعة تجربة الحياة.
وما سمعته في حديثه، هو الصدأ الذي تركه هذا الصديق يطبق على قلبه، ويخنق صدق الحياة مع نفسه.