للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بدليل حكايتها بالمضارع في الفعل السابق: {وَنُقَلِّبُهُمْ} وكأن التقدير: وكلبهم يبسط ذراعيه. غير أن الكسائي تمسك بالآية واتخذ منها قاعدة كلية مجوزا مثل: "زيد معطٍ عمرا أمس درهما" وتابعه في ذلك تلميذه هشام, بينما ظل الفراء مع جمهور البصريين لا يجيز إعمال اسم الفاعل في المفعول به إذا كان بمعنى الماضي١.

ومن ذلك الآية الكريمة: {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ} فقد رأى المضارع فيها محذوف النون، فقال: إنها حُذفت على تقدير لام الأمر، واتخذ من ذلك قاعدة عامة، هي حذف لام الأمر من المضارع بشرط تقدم "قل" عليه كما في الآية، بينما كان البصريون يرون أن الفعل المضارع مجزوم في جواب الأمر مثله في نحو: "ائتني أكرمْك"٢.

وعلى نحو ما كان يتخذ من بعض الحروف في القراءات قواعد يخالف فيها سيبويه والخليل, كان يصنع ذلك تلقاء الأقوال والأشعار الخارجة على مقاييسهما، بل لقد وجد فيها مادة أوسع وأغزر، فمن ذلك أنه رأى بعض العرب يقول: "لا عبدَ الله في الدار" بإعمال لا عمل إن ونصب عبد الله، ومعنى العبارة: أن أحدا من الناس لا يوجد في الدار؛ لاستعمال عبد الله هنا في أي رجل كان، غير أنه قاس على عبد الله بقية الأعلام, منتهيا إلى قاعدة عامة، هي أن لا النافية للجنس يجوز أن يليها العَلَم فيقال: "لا زيدَ في الدار". وواضح ما في قياسه من خطأ؛ ولذلك رفض تلميذه الفراء قاعدته؛ لأن لا النافية للجنس تتطلب أن يكون اسمها نكرة أو كالنكرة حتى تفيد النفي العام الشامل كما لاحظ البصريون. ولعل في ذلك ما يلفت إلى أن الكسائي كانت تفلت منه أحيانا العلة السديدة التي توجب القاعدة النحوية، وكأنه لم يكن يَسْبر الشواهد التي يشتق منها أحكامه النحوية دائما سبرا دقيقا٣.

ومن ذلك أن البصريين منعوا تقديم المستثنى في أول الكلام, موجبا كان أو


١ المغني ص٧٧٠، والهمع للسيوطي ٢/ ٩٥.
٢ المغني ص٢٤٨, وانظر الكتاب ١/ ٤٥٢.
٣ الهمع ١/ ١٤٥.

<<  <   >  >>