للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منفيا، فلا يقال: "إلا زيدا قام القوم", ولا: "إلا زيدا ما أكل أحد طعاما", ولا: "ما -إلا زيدا- قام القوم" وسمع الكسائي:

خلا الله لا أرجو سواك وإنما ... أعد عيالي شعبة من عيالكا

فلم يلتفت إلى أن ذلك ضرورة شعرية دفعت الشاعر إلى المخالفة المنطقية لترتيب الكلام، فسوغه لا في "خلا" وحدها بل أيضا مع "إلا"، بحجة أنها الأصل في الباب وخلا فرع لها، والأصل أولى بما يجوز في الفرع، وبذلك وضع قاعدة عامة هي جواز تقديم المستثنى في أول الكلام سواء أكان موجبا أم منفيا١. ورأي الأخفش يجيز تأخير المعمول للفعل إذا كان ظرفا أو جارا ومجرورا وتقدم المستثنى عليه لقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ، بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ} فقد تأخر الجار والمجرور {بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ} وتقدم المستثنى {إِلَّا رِجَالًا} ووقع له في بعض الشعر:

فما زادني إلا غراما كلامُها

بتوسط المستثنى بين الفعل والفاعل، فوضع قاعدة عامة خالف بها جمهور البصريين، وهي أنه يجوز تقديم المستثنى على المعمول للفعل مرفوعا كان أو منصوبا أو مجرورا٢. وذهب سيبويه والبصريون وجمهور الكوفيين إلى أن "خلا" إذا تقدمتها ما المصدرية تعين نصب المستثنى بعدها، وجوز الكسائي فيه الجر على أن تكون ما زائدة فتقول: "قام القوم ما خلا محمدا بالنصب" وما خلا محمدٍ بالجر. وعلق ابن هشام على ذلك في المغني بأن القياس يمنع ذلك؛ لأن "ما" لا تزاد قبل الجار والمجرور، إنما تزاد بعد حرف الجر مثل: {عَمَّا قَلِيلٍ} {فَبِمَا رَحْمَةٍ} وقال: إن احتج بالسماع فهو من الشذوذ الذي لا يصح القياس عليه٣. وربما كان أغرب ما ذهب إليه الكسائي من أحكام في باب الاستثناء, أنه جوز في مثل: "ما قام إلا محمدٌ" نصب محمد على الاستثناء، مستدلا بقول بعض الشعراء:

لم يبق إلا المجدَ والقصائدا ... غيرَك يابن الأكرمين والدا

بنصب المجد وغيرك. ورد عليه جمهور النحاة بأن غيرك هي الفاعل وفتحتها


١ الإنصاف: المسألة رقم ٣٦, والهمع ١/ ٢٢٦.
٢ الهمع ١/ ٢٣٠.
٣ المغني ص١٤٢, وانظر الهمع ١/ ٢٣٣.

<<  <   >  >>