للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حَزِنَّاهُ عِنْدَ ذَلِكَ خَوْفًا أَنْ يَظْهَرَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى النَّجَاشِيِّ، فَيَأْتِيَنَا رَجُلٌ لَا يَعْرِفُ مِنْ حَقِّنَا مَا كَانَ النَّجَاشِيُّ يَعْرِفُ مِنْهُ. وَسَارَ إِلَيْهِ النَّجَاشِيُّ وَبَيْنَهُمَا عَرْضُ النِّيلِ. قَالَتْ: فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ يَخْرُجُ حَتَّى يَحْضُرَ وَقْعَةَ الْقَوْمِ ثُمَّ يَأْتِيَنَا بِالْخَبَرِ؟ فَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ: أَنَا أَخْرُجُ. قَالَتْ: وَكَانَ مِنْ أَحْدَثِ الْقَوْمِ سِنًّا، قَالَتْ: فَنَفَخُوا لَهُ قِرْبَةً، فَجَعَلَهَا فِي صَدْرِهِ ثُمَّ سبح عَلَيْهِ حَتَّى خَرَجَ إِلَى نَاحِيَةِ النِّيلِ الَّتِي بِهَا مُلْتَقَى الْقَوْمِ، ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى حَضَرَهُمْ. قَالَتْ: فَدَعَوْنَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لِلنَّجَاشِيِّ بِالظُّهُورِ عَلَى عَدُوِّهِ وَالتَّمْكِينِ لَهُ فِي بِلادِهِ، فَوَاللَّهِ إِنَّا لَعَلَى ذَلِكَ مُتَوَقِّعُونَ لِمَا هُوَ كَائِنٌ إِذْ طَلَعَ الزُّبَيْرُ يَسْعَى وَيُلَوِّحُ بِثَوْبِهِ وَيَقُولُ: أَلا أَبْشِرُوا فَقَدْ ظَهَرَ النَّجَاشِيُّ وَأَهْلَكَ اللَّهُ عَدُوَّهُ وَمَكَّنَ لَهُ فِي بِلادِهِ. قَالَتْ: فَوَاللَّهِ مَا عَلَتْنَا فَرْحَةٌ قَطُّ مِثْلُهَا. قَالَتْ: وَرَجَعَ النَّجَاشِيُّ سَالِمًا وَأَهْلَكَ الله عدوه، واستوثق لَهُ أَمْرُ الْحَبَشَةِ، فَكُنَّا عِنْدَهُ فِي خَيْرِ مَنْزِلٍ حَتَّى قَدِمْنَا على رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ.

قَالَ الْفَقِيه الْحَافِظ أَبُو عمر رَضِي اللَّه عَنهُ:

هَؤُلَاءِ١ قدمُوا على رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّة ثمَّ هَاجرُوا إِلَى الْمَدِينَة، وجعفر وَأَصْحَابه بقوا بِأَرْض الْحَبَشَة إِلَى عَام خَيْبَر. وَقد قيل إِن إرْسَال قُرَيْش إِلَى النَّجَاشِيّ فِي أَمر الْمُسلمين الْمُهَاجِرين إِلَيْهَا كَانَ مرَّتَيْنِ فِي زمانين: الْمرة الْوَاحِدَة كَانَ الرَّسُولَ مَعَ عمرِو بْنِ الْعَاصِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أبي ربيعَة المَخْزُومِي. والمرة الثَّانِيَة كَانَ مَعَ عَمْرو بْن الْعَاصِ عمَارَة بْن الْوَلِيد بْن الْمُغيرَة المَخْزُومِي. وَقد ذكر الْخَبَر بذلك كُله ابْن إِسْحَاق وَغَيره، وَذكروا مَا دَار لعَمْرو مَعَ عمَارَة بْن الْوَلِيد من رميه إِيَّاه فِي الْبَحْر وَسَعْيِ عَمْرو بِهِ إِلَى النَّجَاشِيّ فِي بعض وُصُوله إِلَى بعض حرمه أَو خدمه، وَأَنه ظهر ذَلِك فِي ظُهُور طيب الْملك عَلَيْهِ، وَأَن الْملك دَعَا بسحرة، ونفخوا فِي إحليله، فَتَشْرُد وَلزِمَ الْبَريَّة وَفَارق الْإِنْس، وهام حَتَّى وصل إِلَى مَوضِع رام أَهله أَخذه فِيهِ، فَلَمَّا قربوا مِنْهُ فاضت نَفسه وَمَات. هَذَا معنى الْخَبَر. قَالَ أَبُو عَمْرو: وَلم أر لإيراده على وَجهه معنى اكْتِفَاء بِمَا كتبناه فِي الْكتاب، وَلِأَن ابْن إِسْحَاق قد ذكره بتمامة. وَالله الْمُوفق للصَّوَاب*.


١ يُشِير إِلَى من رَجَعَ من أَرض الْحَبَشَة.
* قلت: وَحَاصِل الْخَبَر أَن عمَارَة كَانَ جميلا وسيما، وَكَانَ عَمْرو استصحب امْرَأَته مَعَه، فهويها عمَارَة وهويته. وهم عمَارَة أَن يطْرَح عمرا فِي الْبَحْر. فأسرها عَمْرو فِي نَفسه، فَلَمَّا وصلا الْحَبَشَة قَالَ لَهُ عَمْرو: إِنَّنِي كتبت إِلَى قومِي أَن لَا يطالبوك بدمي، فَاكْتُبْ إِلَى قَوْمك أَن لَا يطالبوني بدمك، لتنمى فِي قُرَيْش منا المصافاة والاتفاق على مَا بعثونا إِلَيْهِ، فَفعل عمَارَة ذَلِك، فَيُقَال إِن شَيخا من قُرَيْش عِنْدَمَا سمع ذَلِك قَالَ: قتل عمَارَة، وَالله، إِن هَذِه مكيدة من عَمْرو، =

<<  <   >  >>