للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَكَانَ قد أَبى أَن يدْخل فِيمَا دخل فِيهِ بَنو قُرَيْظَة وَقَالَ: لَا أغدر بِمُحَمد أبدا، فَقَالَ لَهُ مُحَمَّد بْن مسلمة إِذْ عرفه: اللَّهُمَّ لَا تحرمني إِقَالَة عثرات الْكِرَام. فَخرج على وَجهه حَتَّى بَات فِي مَسْجِد النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثمَّ ذهب فَلم يُرَ بعد وَلم يعلم حَيْثُ سقط. وَذُكِرَ -لرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمره، فَقَالَ: "ذَلِك رجل نجاه اللَّه بوفائه".

فَلَمَّا أصبح بَنو قُرَيْظَة نزلُوا على حكم رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فتواثب الْأَوْس إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا: يَا رَسُول اللَّه قد علمت أَنهم حلفاؤنا، وَقد شَفَّعْتَ عَبْد اللَّهِ بْن أبي بْن سلول فِي بني قينقاع١ حلفاء الْخَزْرَج، فَلَا يكن حظنا أوكس وأنقص عنْدك من حَظّ غَيرنَا، فهم موالينا. فَقَالَ لَهُم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا معشر الْأَوْس أَلا ترْضونَ أَن يحكم فيهم رجل مِنْكُم؟ " قَالُوا: بلَى، قَالَ: "فَذَلِك إِلَى سعد بْن معَاذ". وَكَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد ضرب لَهُ خيمة فِي الْمَسْجِد، ليعوده من قريب فِي مَرضه من جرحه الَّذِي أَصَابَهُ فِي الخَنْدَق. فَلَمَّا حَكَّمَهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بني قُرَيْظَة أَتَاهُ قومه فاحتملوه على حمَار، وَقد وطئوا لَهُ بوسادة من أَدَم وَكَانَ رجلا جسيما. ثمَّ أَقبلُوا مَعَه إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَحَاطُوا بِهِ فِي طريقهم يَقُولُونَ: يَا أَبَا عَمْرو أحسن فِي [مواليك] فَإِنَّمَا ولاك رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِك لتحسن إِلَيْهِم، فَقَالَ لَهُم: قد آن لسعد أَن لَا تَأْخُذهُ فِي اللَّه لومة لائم. فَرجع بعض من مَعَه إِلَى ديار بني عَبْد الْأَشْهَل فنعى إِلَيْهِم رجال بني قُرَيْظَة. فَلَمَّا أطل سعد على النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ للْأَنْصَار: "قومُوا إِلَى سيدكم" * فَقَامَ الْمُسلمُونَ، فَقَالُوا: يَا أَبَا عَمْرو أَن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد ولاك أَمر مواليك لتَحكم فيهم، فَقَالَ سعد: عَلَيْكُم بذلك عهد اللَّه وميثاقه: أَن الحكم فيهم مَا حكمت٢؟ قَالُوا: نعم، قَالَ: وعَلى من هُنَا؟ من٣ النَّاحِيَة الَّتِي فِيهَا


١ هَكَذَا فِي جَمِيع المصادر وَفِي الأَصْل ور بني النَّضِير.
* قلت: وَاخْتلف فِي إِطْلَاق السَّيِّد فِي حق الْخلق فَقيل: لَا يجوز، وَجَاء فِي الحَدِيث أَنهم قَالُوا لَهُ عَلَيْهِ السَّلَام: يَا سيدنَا، فَقَالَ: "إِنَّمَا السَّيِّد الله". وَقيل يجوز لحَدِيث سعد هَذَا. وَكَذَلِكَ اخْتلف فِي جَوَاز إِطْلَاقه فِي حق الله تَعَالَى، فَأَجَازَهُ قوم لقَوْله: "إِنَّمَا السَّيِّد الله". وَنقل عَن مَالك مَنعه وَلم يصحح سَنَد الحَدِيث الْمُتَقَدّم. وَقَالَ بَعضهم: السَّيِّد أحد مَا يُضَاف إِلَيْهِ. فَلَا تَقول لتميمي إِنَّه سيد كِنْدَة، وَإِنَّمَا سيد كِنْدَة أحدهم. قَالَ: فعلى هَذَا يحمل الْمَنْع فِي حَقه تَعَالَى إِذا أطلق، حَيْثُ لَا يجوز الدُّخُول فِي الْإِضَافَة فَلَا تَقول: الله سيد النَّاس. وَيجوز أَن تَقول الله سيد الأرباب وَسيد الكرماء! وَالله أعلم.
٢ هَكَذَا فِي ر وَابْن هِشَام، وَفِي الأَصْل: أَن أحكم فيهم مَا حكمت.
٣ فِي ابْن هِشَام: فِي.

<<  <   >  >>