للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ معرض عَن رَسُول الله إجلالا لَهُ. فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نعم" قَالَ سعد: فَإِنِّي أحكم فيهم أَن يقتل الرِّجَال وتسبى الذَّرَارِي١ وَالنِّسَاء، وتقسم الْأَمْوَال، فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لقد حكمت فيهم بِحكم اللَّه تَعَالَى من فَوق سَبْعَة أَرقعَة" ٢ وَأمر بهم رَسُول اللَّه فأخرجوا إِلَى مَوضِع [سوق٣ الْمَدِينَة] فَخَنْدَق بهَا خنادق، ثمَّ أَمر بهم النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فَضربت أَعْنَاقهم فِي تِلْكَ الْخَنَادِق* وَقتل يَوْمئِذٍ حييّ بْن أَخطب وَكَعب بْن أَسد. وَكَانُوا من الستمائة إِلَى السبعمائة. وَقتل من نِسَائِهِم امْرَأَة، وَهِي بنانة امْرَأَة الحكم الْقرظِيّ الَّتِي طرحت الرَّحَى على خَلاد٤ بْن سُوَيْد، فَقتلته* *.

وَأمر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتل كل من أنبت٥ مِنْهُم وَترك كل من لم ينْبت: وَكَانَ عَطِيَّة الْقرظِيّ من جملَة من لم ينْبت فاستحياه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مَذْكُور فِي الصَّحَابَة. ووهب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِثَابِت بْن قيس بْن الشماس ولد الزبير٦ بْن باطا، فاستحياهم، مِنْهُم عَبْد الرَّحْمَن بْن الزبير أسلم وَله صُحْبَة ووهب أَيْضا -عَلَيْهِ السَّلَام- رِفَاعَة ابْن سموأل٧ الْقرظِيّ لأم الْمُنْذر سلمى٨ بنت قيس أُخْت سليط بْن قيس من بني


١الذَّرَارِي: الْأَوْلَاد الَّذين لم يبلغُوا الْحلم.
٢ الأرقعة: جمع رقيع، وَهِي السَّمَوَات، سميت كَذَلِك لِأَنَّهَا مَرْقُوعَة بالنجوم. ولوحظ فِي الأرقعة التَّذْكِير لذَلِك جِيءَ مَعهَا بِالْعدَدِ مؤنثا، وكأنما المُرَاد بهَا السقوف جمع سقف.
٣ زِيَادَة من ر وَابْن هِشَام.
* قلت: اسْتدلَّ بَعضهم بِهَذَا الحَدِيث على صِحَة القَوْل بِأَن لله تَعَالَى فِي كل وَاقعَة حكما معينا، من أَصَابَهُ فقد أصَاب الْحق وَمن أخطأه فقد أَخطَأ الْحق، خلافًا لِلْقَائِلين: كل مُجْتَهد مُصِيب وَلَا حكم لله فِي الْوَاقِعَة إِلَّا مَا ظَنّه الْمُجْتَهد. أجَاب الْآخرُونَ عَن هَذَا الحَدِيث بِأَن هَذِه الْمَسْأَلَة لم تكن ظنية، بل كَانَ وجوب قتل هَؤُلَاءِ قَطْعِيا وَكَانَ ذنبهم أعظم أَن يغْفر أَو يكفر أَو يقبل "فِيهِ" الْإِقَالَة، وَلَا خلاف بَين الطوائف أَن الْمسَائِل القطعية لله تَعَالَى فِيهَا حكم معِين.
قلت: وَالظَّاهِر أَن لَا عذر بذلك، بل كَانَت الْمَسْأَلَة ظنية اجتهادية وَلِهَذَا كَانَ غير سعد من الْأَوْس يرى الْعَفو عَنْهُم وَقد عرضوا لسعد بذلك فَلم يقبل مِنْهُم، وَلَا يظنّ بالأوس بجملتهم أَنهم أخطئوا الصَّوَاب الْقطعِي فَدلَّ أَنه اجْتِهَاد وفْق فِيهِ سعد.
٤ فِي ر: خَالِد، وَكَانَ ذَلِك فِي أثْنَاء معركة بني قُرَيْظَة أَلْقَت الرَّحَى عَلَيْهِ من أحد آطامهم.
** قلت: فِيهِ دَلِيل على أَن الذِّمِّيَّة إِذا قَاتَلت فِي الْحَرْب فقتلت قتلت، وَفِيه خلاف، وَيحْتَمل أَن يُقَال قتلت وَهِي فِي الْعَهْد وَلَيْسَت مَسْأَلَة الْخلاف، لِأَن الذِّمِّيَّة تقتل بِالْمُسلمِ.
٥ أنبت: اخضرت ذقنه.
٦ كَانَت لَهُ على ثَابت يَد فِي الْجَاهِلِيَّة.
٧ فِي بعض المصادر: شمويل.
٨ هِيَ إِحْدَى خالات رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ لَاذَ بهَا رِفَاعَة.

<<  <   >  >>