للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَتَزَوجهَا. وَشهِدت عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا تِلْكَ الْغُزَاة، قَالَت: مَا هُوَ إِلَّا أَن وقفت جوَيْرِية بِبَاب الخباء تستعين رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كتَابَتهَا، فَنَظَرْتُ إِلَيْهَا فرأيتُ على وَجههَا مرحة وحسنا، فأيقنت أَن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذا رَآهَا أَعْجَبته، فَمَا هُوَ إِلَّا أَن كَلمته، فَقَالَ لَهَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَو خير من ذَلِك أَن أؤدي كتابتك وأتزوجك". قَالَت: وَمَا رَأَيْت أعظم بركَة على قَومهَا مِنْهَا، فَمَا هُوَ إِلَّا أَن علم الْمُسلمُونَ بِأَن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزَوجهَا، فأعتقوا كل مَا بِأَيْدِيهِم من سبي بني المصطلق، وَقَالُوا: أَصْهَار رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ١، وَأسلم سَائِر بني المصطلق.

وَقد اخْتلف فِي وَقت هَذِه الْغُزَاة، قيل: كَانَت قبل الخَنْدَق وَقُرَيْظَة٢، وَقيل: كَانَت بعد ذَلِك وَهُوَ الصَّوَاب إِن شَاءَ اللَّه. وَقتل فِي هَذِه الْغُزَاة هِشَام بْن صبَابَة اللَّيْثِيّ خطأ، أَصَابَهُ رجل من الْأَنْصَار من رَهْط عبَادَة لم يعرفهُ، وظنه من الْمُشْركين٣.

وَفِي هَذِه الْغُزَاة قَالَ عَبْد اللَّهِ بْن أبي بْن سلول: لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل؛ وَذَلِكَ لشر وَقع بَين جَهْجَاه بْن مَسْعُود الْغِفَارِيّ -وَكَانَ أَجِيرا لعمر بْن الْخطاب رَضِي اللَّه عَنهُ- وَبَين سِنَان بْن وبر٤ الْجُهَنِيّ حَلِيف بني عَوْف بْن الْخَزْرَج، فَنَادَى جَهْجَاه الْغِفَارِيّ: يَا للمهاجرين، ونادى الْجُهَنِيّ: يَا للْأَنْصَار٥. وَبَلَّغَ زيدُ بْنُ أرقَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَالَةَ عَبْد اللَّهِ بْن أبي بْن سلول، فأنكرها ابْن أبي، فَأنْزل اللَّه عز وَجل [فِيهِ] سُورَة الْمُنَافِقين، فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لزيد بْن أَرقم: "وَفَتْ أُذُنُكَ يَا غُلَام" ٦، وَأخذ بأذنه. وتبرأ عَبْد اللَّهِ بْن عَبْد اللَّهِ بْن أُبَيِّ من فعل أَبِيه وأتى رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُول اللَّه أَنْت وَالله الْعَزِيز وَهُوَ الذَّلِيل، أَو قَالَ: أَنْت الْأَعَز وَهُوَ


١ وَاضح أَن اقتران الرَّسُول بجويرية لم يكن لجمالها كَمَا ظنت السيدة عَائِشَة، وَإِنَّمَا كَانَ سياسة مِنْهُ ليعتق الْمُسلمُونَ من بِأَيْدِيهِم من نسَاء الْقَوْم وليستعطف عَشَائِرهمْ حَتَّى يدخلُوا فِي الْإِسْلَام وفعلا دخلُوا فِيهِ وتمت عَلَيْهِم نعْمَة رَبهم.
٢ هُوَ قَول ابْن سعد إِذْ ذكر أَنَّهَا كَانَت فِي شعْبَان سنة خمس من الْهِجْرَة لليلتين خلتا مِنْهُ، بَيْنَمَا ذكر أَن غَزْوَة الخَنْدَق كَانَت فِي ذِي الْقعدَة من نفس السّنة.
٣ فِي هَذِه الْغَزْوَة نزلت آيَة التَّيَمُّم، انْظُر ابْن سيد النَّاس ٢/ ١٠٢-١٠٣.
٤ فِي الِاسْتِيعَاب ص٥٨١ سِنَان بن تيم وَيُقَال ابْن وبر، وَكَانَ سَبَب الشَّرّ ازدحامها على المَاء.
٥ فِي الصَّحِيح أَن الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما سمع بِهَذَا التنادي وَتلك الدعْوَة قَالَ: "دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَة" يَعْنِي أَنَّهَا خبيثة؛ لِأَنَّهَا من دَعْوَى العصبية الْجَاهِلِيَّة، وَقد جعل الله الْمُؤمنِينَ أخوة وحزبا وَاحِدًا وَأمة وَاحِدَة.
٦ كَانَ غُلَاما حَدثا، فَقَالَ بعض الْأَنْصَار لرَسُول الله حدبا على ابْن أبي ودفعا عَنهُ: عَسى أَن يكون الْغُلَام وهم فِي حَدِيثه.

<<  <   >  >>