للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْأَذَل، وَإِن شِئْت -وَالله- لنخرجنه من الْمَدِينَة. وَقَالَ سعد١ بْن عبَادَة: يَا رَسُول اللَّه إِن هَذَا رجل يحملهُ حسده على النِّفَاق، فَدَعْهُ إِلَى عمله، وَقد كَانَ قومه على أَن يُتَوِّجُوهُ بالخرز قبل قدومك الْمَدِينَة ويقدموه على أنفسهم، فَهُوَ يرى أَنَّك نزعت ذَلِك مِنْهُ، وَقد خَابَ وخسر إِن كَانَ يضمر خلاف مَا يظْهر، وَقد أظهر الْإِيمَان فَكِلْهُ٢ إِلَى ربه. وَقَالَ عَبْد اللَّهِ بْن عَبْد اللَّهِ بْن أبي بْن سلول: يَا رَسُول اللَّه بَلغنِي أَنَّك تُرِيدُ قتل أبي فَإِن كنت تُرِيدُ ذَلِك فمرني بقتْله، فوَاللَّه إِن أَمرتنِي بقتْله لأقتلنه، وَإِنِّي أخْشَى يَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم إِن قَتله غَيْرِي أَن لَا أَصْبِر عَن طلب الثأر فأقتلَ بِهِ مُسلما فأدخلَ النَّار، وَقد علمت الْأَنْصَار أَنِّي من أبر أبنائها بِأَبِيهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيرا، ودعا لَهُ، وَقَالَ لَهُ: "بر أَبَاك وَلَا يرى مِنْك إِلَّا خيرا" *. فَلَمَّا وصل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمسلمون إِلَى الْمَدِينَة من تِلْكَ الْغُزَاة وقف عَبْد اللَّهِ بْن عَبْد اللَّهِ بْن أبي لِأَبِيهِ بِالطَّرِيقِ، وَقَالَ: وَالله لَا تدخل الْمَدِينَة حَتَّى يَأْذَن لَك رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالدُّخُولِ، فَأذن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدُخُولِهِ.

وَفِي هَذِه الْغُزَاة قَالَ أهل الْإِفْك فِي عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا مَا قَالُوا، فبرأها اللَّه مِمَّا قَالُوا، وَنزل الْقُرْآن ببراءتها٣.

وَرِوَايَة من روى أَن سعد بْن معَاذ رَاجع فِي ذَلِك سعد بْن عبَادَة وهم وَخطأ٤، وَإِنَّمَا تراجع فِي ذَلِك سعد بْن عبَادَة مَعَ أسيد بْن حضير، كَذَلِك ذكر ابْن إِسْحَاق عَنِ الزُّهْرِيِّ عَن عبيد الله بْن عَبْد اللَّهِ وَغَيره، وَهُوَ الصَّحِيح، لِأَن سعد بْن معَاذ مَاتَ فِي منصرف


١ فِي بعض الرِّوَايَات أَن هَذَا الحَدِيث كَانَ بَين أسيد بن حضير وَالرَّسُول.
٢ كُله: دَعه.
* وَذكر بعض الْعلمَاء الْحِكْمَة الَّتِي لأَجلهَا قدم الله إِسْلَام الْأَجَانِب على إِسْلَام الْأَقَارِب حَتَّى بلغ من الْأَجَانِب أَن يقتل أحدهم أَبَاهُ إيثارا لله وَلِرَسُولِهِ كَمَا وعد عبد الله من نَفسه، فَقَالَ: الْحِكْمَة فِي ذَلِك أَنه لَو تقدّمت الْأَقَارِب لقَالَ الْمُلْحِدُونَ: قوم أَرَادوا الْفَخر لأَنْفُسِهِمْ فَقدم الله الْأَجَانِب تتريها لمنصب النُّبُوَّة من هَذِه القالة. وَالله أعلم.
"وَانْظُر فِي مَوَاقِف عبد الله من أَبِيه ودلالته على حسن إيمَانه الرَّوْض الْأنف ٢/ ٢١٧ وَمَا بعْدهَا".
٣ وَذَلِكَ فِي الْآيَات الْعشْر بسور النُّور: {إِن الَّذين جَاءُوا بالإفك عصبَة مِنْكُم لَا تحسبوه شرا لكم بل هُوَ خير لكم لكل امْرِئ مِنْهُم مَا اكْتسب من الْإِثْم وَالَّذِي تولى كبره مِنْهُم لَهُ عَذَاب عَظِيم} إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَأَن الله رءوف رَحِيم} . وَقَالَ ابْن عبد الْبر فِي الِاسْتِيعَاب ص٧٦٦: أَمر النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالذين رموا عَائِشَة بالإفك حِين نزل الْقُرْآن ببراءتها فجلدوا الْحَد ثَمَانِينَ فِيمَا ذكر جمَاعَة من أهل السّير وَالْعلم بالْخبر.
٤ انْظُر البُخَارِيّ ٥/ ١١٦ وَمَا بعْدهَا والطبري ٢/ ٦١٠.

<<  <   >  >>