للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمِّهِ: "من دخل دَار أبي سُفْيَان فَهُوَ آمن [وَمن ١ أغلق بَابه فَهُوَ آمن، وَمن دخل الْمَسْجِد فَهُوَ آمن".

فَكَانَ هَذَا مِنْهُ أَمَانًا لكل من لم يُقَاتل من أهل مَكَّة، وَلِهَذَا قَالَ جمَاعَة من أهل الْعلم مِنْهُم الشَّافِعِي رَحمَه اللَّه إِن مَكَّة مُؤَمَّنَةٌ وَلَيْسَت عنْوَة٢، والأمان كالصلح، وروى أَن أَهلهَا مالكون رباعهم، وَلذَلِك كَانَ يُجِيز كراها لأربابها وَبَيْعهَا وشراءها لِأَن من أَمن فقد حرم مَاله وَدَمه وَذريته وَعِيَاله. فمكة مُؤمنَة عِنْد من قَالَ بِهَذَا القَوْل إِلَّا الَّذين استثناهم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأمر بِقَتْلِهِم وَإِن وجدوا مُتَعَلقين بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة. وَأكْثر أهل الْعلم يرَوْنَ فتح مَكَّة عنْوَة لِأَنَّهَا أخذت غَلَبَة بِالْخَيْلِ والركاب إِلَّا أَنَّهَا مَخْصُوصَة بِأَن لم يجر فِيهَا قسم غنيمَة وَلَا سُبِيَ من أَهلهَا أحد. وخصت بذلك لما عظم اللَّه من حرمتهَا، أَلا ترى إِلَى قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَكَّة حرَام مُحرمَة لم تحل لأحد قبلي وَلَا تحل لأحد بعدِي، وَإِنَّمَا أحلّت لي سَاعَة من نَهَار، ثمَّ هِيَ حرَام إِلَى يَوْم الْقِيَامَة". وَالأَصَح وَالله أعلم أَنَّهَا بَلْدَة مُؤمنَة، أَمن أَهلهَا على أنفسهم وَأمنت٣ أَمْوَالهم تبعا لَهُم. وَلَا خلاف [فِي] أَنه لم يكن فِيهَا غنيمَة.

ثمَّ أَمر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَبَّاس أَن يُوقف أَبَا سُفْيَان بخطم٤ الْوَادي ليرى جيوش اللَّه تَعَالَى، فَفعل ذَلِك الْعَبَّاس، وَعرض عَلَيْهِ قَبيلَة قَبيلَة، يَقُول: هَؤُلَاءِ سليم، هَؤُلَاءِ غفار، هَؤُلَاءِ تَمِيم، هَؤُلَاءِ مزينة، إِلَى أَن جَاءَ موكب النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار خَاصَّة، كلهم فِي الدروع وَالْبيض، فَقَالَ أَبُو سُفْيَان: من هَؤُلَاءِ؟ فَقَالَ: هَذَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار، فَقَالَ أَبُو سُفْيَان: وَالله مَا لأحد بهؤلاء قبل، وَالله يَا أَبَا الْفضل لقد أصبح ملك ابْن أَخِيك عَظِيما، فَقَالَ الْعَبَّاس: يَا أَبَا سُفْيَان إِنَّهَا النُّبُوَّة، قَالَ: فَنعم إِذن. ثمَّ قَالَ لَهُ الْعَبَّاس: يَا أَبَا سُفْيَان النَّجَاء٥ إِلَى قَوْمك. فأسرع أَبُو سُفْيَان، فَلَمَّا أَتَى مَكَّة عرفهم بِمَا أحَاط بهم، وَأخْبرهمْ بتأمين رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كل من دخل دَاره أَو الْمَسْجِد أَو دَار أبي سُفْيَان.


١ زِيَادَة من ر وَابْن هِشَام وَغَيره.
٢ عنْوَة: حَربًا، أَي أَنَّهَا فتحت صلحا لَا حَربًا.
٣ فِي الأَصْل: وَكَانَت.
٤ خطم الْوَادي: أَنفه البارز مِنْهُ، وَفِي ابْن هِشَام: بمضيق الْوَادي عِنْد خطم الْجَبَل.
٥ النَّجَاء: السرعة.

<<  <   >  >>