للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أوجدتم يَا معشر الْأَنْصَار فِي أَنفسكُم فِي لُعَاعَةٍ١ من الدُّنْيَا تألفت بهَا قوما ليسلموا ووكلتكم إِلَى إيمَانكُمْ، أَلا ترْضونَ يَا معشر الْأَنْصَار أَن يذهب النَّاس بِالشَّاة وَالْبَعِير وترجعوا برَسُول اللَّه إِلَى رحالكُمْ؟ وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ لَوْلَا الْهِجْرَة لَكُنْت امْرَءًا من الْأَنْصَار، وَلَو سلك النَّاس شعبًا وسلكت الْأَنْصَار شعبًا٢ لَسَلَكْت شعب الْأَنْصَار. اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْأَنْصَار وَأَبْنَاء الْأَنْصَار وَأَبْنَاء أَبنَاء الْأَنْصَار". قَالَ: فَبكى الْقَوْم حَتَّى أخضلوا٣ لحاهم، وَقَالُوا: رَضِينَا برَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قسما وحظا، فَانْصَرف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَفَرَّقُوا.

وَرُوِيَ أَن قَائِلا قَالَ لرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُول اللَّه أَعْطَيْت عُيَيْنَة بْن حصن والأقرع بْن حَابِس، وَتركت جعيل بْن سراقَة الضمرِي؟ فَقَالَ رَسُول الله: "وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ لَجُعَيْلُ بْن سراقَة خير من طلاع ٤ الأَرْض مثل الْأَقْرَع وعيينة وَلَكِنِّي تألفتهما ليسلما ووكلت جعيلا إِلَى إِسْلَامه".

وَكَانَ هَذَا الْقسم بالجعرانة. وروى أَبُو الزبير وَغَيره عَن جَابر، قَالَ: بصرت عَيْنَايَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالجعرانة، وَفِي ثوب بِلَال فضَّة، وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم يقبض وَيُعْطِي النَّاس.


١ اللعاعة: بقل أَخْضَر ناعم شبه بِهِ مَتَاع الدُّنْيَا، وَأَنه قَلِيل لَا يَدُوم.
٢ الشّعب: الطَّرِيق بَين جبلين.
٣ أخضلوا لحاهم: سكبوا عَلَيْهَا دموعهم.
٤ طلاع الأَرْض: مَا يطلع مِنْهَا، كِنَايَة عَن عدم رسوخهم فِي الْإِسْلَام.
٥ كَانَ ذَلِك لَيْلَة الْأَرْبَعَاء لاثنتى عشرَة لَيْلَة مَضَت من ذِي الْقعدَة. والجعرانة: مَاء بَين الطَّائِف وَمَكَّة.

<<  <   >  >>