للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

موقف ١ بعض الْأَنْصَار

قَالَ ابْن إِسْحَق: وحَدثني عَاصِم بْن عمر بْن قَتَادَة، قَالَ: لما أعْطى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ العطايا فِي قُرَيْش وقبائل الْعَرَب. وَلم يكن فِي الْأَنْصَار مِنْهَا شَيْء وجد هَذَا الْحَيّ من الْأَنْصَار فِي أنفسهم، حَتَّى كثرت مِنْهُم القالة٢، فَدخل عَلَيْهِ سعد بْن عبَادَة فَقَالَ: يَا رَسُول اللَّه إِن هَذَا الْحَيّ من الْأَنْصَار قد وجدوا عَلَيْك فِي أنفسهم بِمَا صنعت فِي هَذَا الْفَيْء الَّذِي أصبت: قَسَمْتَ فِي قَوْمك وَأعْطيت قوما من الْعَرَب عطايا عظاما، وَلم يكن فِي هَذَا الْحَيّ من الْأَنْصَار مِنْهَا شَيْء، قَالَ: "فَأَيْنَ أَنْت من ذَلِك يَا سعد؟ " قَالَ: يَا رَسُول اللَّه مَا أَنا إِلَّا من قومِي، قَالَ: "فاجمع لي قَوْمك فِي هَذِه الحظيرة". قَالَ: فَخرج سعد فَجمع من الْأَنْصَار فِي تِلْكَ الحظيرة، وَجَاء رجال من الْمُهَاجِرين فتركهم فَدَخَلُوا، وَجَاء آخَرُونَ فردهم. فَلَمَّا اجْتَمعُوا أَتَاهُ سعد، فَقَالَ: يَا رَسُول اللَّه قد اجْتمع لَك هَذَا الْحَيّ من الْأَنْصَار.

فَأَتَاهُم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَمدَ اللَّه وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ: "يَا معشر الْأَنْصَار مَا قَالَةٌ بلغتني [عَنْكُم] ٣ ووجدة ٤ وجدتموها فِي أَنفسكُم، ألم آتكم ضلالا فَهدَاكُم اللَّه وَعَالَة ٥ فَأَغْنَاكُمْ اللَّه وأعداء فألف اللَّه بَين قُلُوبكُمْ؟ " قَالُوا: بلَى لله وَرَسُوله الْمَنّ٦ وَالْفضل. ثمَّ قَالَ: "أَلا تجيبونني يَا معشر الْأَنْصَار؟ " قَالُوا: بِمَاذَا نجيبك يَا رَسُول اللَّه؟ لله وَرَسُوله الْمَنّ وَالْفضل. فَقَالَ: "أما وَالله لَو شِئْتُم لقلتم [فَصَدَقْتُمْ] ٧ وَلَصُدِّقْتُمْ: أَتَيْتنَا مُكَذَّبًا فَصَدَّقْنَاك، ومخذولا فَنَصَرْنَاك، وطريدا فَآوَيْنَاك، وعائلا فواسينك ٨.


١ انْظُر فِي ذَلِك صَحِيح البُخَارِيّ ٥/ ١٥٧ والطبري ٣/ ٩٣.
٢ القالة: القَوْل السيء.
٣ زِيَادَة من ر وَابْن هِشَام والطبري.
٤ وَجدّة: موجدة وعتاب.
٥ عَالَة: جمع عائل وَهُوَ الْفَقِير.
٦ الْمَنّ: النِّعْمَة.
٧ زِيَادَة من ر وَابْن هِشَام والطبري.
٨ واسيناك: من الْمُوَاسَاة وَهِي الْمُشَاركَة والمساهمة فِي المعاش والرزق.

<<  <   >  >>