فقلت أفعل فقال: لعنك الله والله لقد سحرتني واستدعى بدواة فعملنا نسخة يمين وحلف كل منا عليها فلما أردت القيام قال لي يا أباع عبد الله لقد عظمت في نفسي والله ما كان المقتدر يفرق بيني وبين أحسن كتابي إذا رأى المال فليكن ما جرى بيننا مطويا فقلت سبحان الله فقال إذا كان غدا فسر إلى المجلس فترى ما أعاملك به فقمت فأمر الغلمان أن يسيروا في خدمتي بأجمعهم إلى داري ولما أصبحت جئته فبالغ في الإكرام والتعظيم وأمر بانشاء الكتب إلى النواحي بإعزاز وكلائي وحماية أملاكي فشكرته وقمت فأمر الغلمان أيضا بالمشي بين يدي والحجاب والناس يتعجبون من ذلك ولم يعلم أحد ما السبب وما حدثت بهذا الحديث إلا بعد القبض عليه.
وذكر ابن الجوزي في الباب السابع من كتاب الحمقى والمغفلين أن جماعة من العقلاء صدر عنهم أفعال الحمقى وأصروا على ذلك مستصوبين لها فصاروا بذلك الاصرار حمقى ومغفلين. فأول القوم ابليس لعنه الله تعالى فإنه صوّب نفسه وخطأ حكمة الله تعالى ورمى عن قوس الاعتراض في عدم السجود لآدم عليه السلام ثم قال أنظرني إلى يوم يبعثون فصارت لذته في أيقاع العاصي في الذنب كأنه يغبط ونسي عقابه الدائم فلا حمق كحمقه ولا عفلة كغفلته ولله در القائل في ابليس:
عجبتُ من ابليس في غفلته ... وخبثِ ما أظهر من نيَّته