ملك النار حتى صارت جارية سوداء، ولقد وقفت بين ربوعها وقد التهبت أحشاؤها بالاضطرام، وفطم جنين نبتها عن رضاع ثدي الغمام، فاستسقيت لها بقول ابن أسعد حيث قال:
سقى دمشق وأياماً مضت فيها ... مواطرُ السحب ساريها وغاديها
ولا يزال جنين النبت ترضعه ... حوامل المزن في أحشا أراضيها
فما نضا حبّها قلبي لنّيرها ... ولا قضى نحبه ودّي لواديها
ولا تسلّيت عن سلسال ربوتها ... ولا نسيت مبيت جار جاريها
هذا وكم خائف قبل النوم أويناه بها إلى ربوة ذات قرار، وكم كان بها مطرب طير خرج بعدما كان يطرب على عود وطار، وبطل الجنك لما انقطعت أوتار أنهاره فلم يبق له مغنى، وكسر الدف لما خرج نهر المغنية عن المغنى، واستسمح الناس من قال:
انهض إلى الربوة مستمتعاً ... تجد من الّلذات ما يكفي
فالطير قد غنّى على عوده ... في الروض بين الجنك والدفّ
وأصبحت أوقات الربوة بعد ذلك العيش الخضل واليسر عسيره،